وقوله تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [٢٨٦/ البقرة] ، وقوله عليه الصلاة والسلام:«بعثت بالحنيفيّة السمحة» مع أنّ صدر الآية يدلّ على ذلك، وهو قوله تعالى وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [١٨٥/ البقرة] . وأمّا الآية الثانية فالمراد بالعسر فيها العسر في العوارض الدنيويّة؛ كضيق الأرزاق، وتوالي المحن والفتن، وأخذ الأموال ظلما.
وقد ذكر الله تعالى اليسر في القرآن مرتين، وذكر العسر مرتين. لكن عند العرب أن المعرفة إذا أعيدت معرفة توحدت؛ لأنّ اللام الثانية للعهد، وإذا أعيدت النكرة نكرة تعدّدت، فالعسر ذكر مرتين معرفا، فهو عسر واحد، واليسر ذكر مرتين منكرا فكان اثنين.
فلهذا قال صلى الله عليه وسلم:«لن يغلب عسر يسرين» . أخرجه الحاكم عن الحسن البصري مرسلا.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال:«لو جاء العسر فدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه» . أخرجه البزار وابن أبي حاتم، واللفظ له.
وما أحسن قول القائل:
لا تجزعنّ لعسرة من بعدها ... يسران وعدا ليس فيه خلاف
كم عسرة ضاق الفتى لنزولها ... لله في أعطافها ألطاف
وقال الشاعر:
إذا اشتدّت بك البلوى ... ففكّر في «ألم نشرح»
فعسر بين يسرين ... إذا فكّرته تفرح
والحديث أخرجه عبد بن حميد في «مسنده» عن ابن عباس رضي الله تعالى