وهذا لا ينافي طلب العافية المأمور به في عدة أحاديث، لأن المطلوب العافية السليمة العاقبة مما ذكر.
والحديث ذكره في «كنوز الحقائق» مرموزا له برمز الديلمي في «مسند الفردوس» ، وذكره في «الجامع الصغير» بلفظ: «كفى بالسّلامة داء» مرموزا له برمز الديلمي في «مسند الفردوس» ؛ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وإسناده ضعيف؛ قال الديلمي: وفي الباب؛ عن أنس رضي الله عنه.
١٠٣- ( «حفّت الجنّة بالمكاره) أي: أحاطت بها.
والمراد بالمكاره: ما يكرهه المرء ويشقّ عليه من القيام بحقوق العبادة على وجهها؛ كإسباغ الطّهر في الشّتاء وتجرّع الصّبر على المصائب والتسليم لأمر الله فيها واجتناب المنهيات قولا وفعلا، وأطلق عليها مكاره!! لمشقّتها على العامل وصعوبتها؛ (وحفّت النّار بالشّهوات» ) أي: ما يستلذّ من أمور الدّنيا مما منع الشرع من تعاطيه، وهذا تمثيل حسن، ومعناه يوصل إلى الجنّة بارتكاب المكاره من الجهد في الطاعة، والصبر عن الشهوة؛ كما يوصل المحجوب عن الشيء إليه بهتك حجابه، ويوصل إلى النّار بارتكاب الشهوات ...
ومن المكاره: الصبر على المصائب بأنواعها، فكلّ من صبر على واحدة قطع حجابا من حجب الجنّة، ولا يزال يقطع حجبها حتى لا يبقى بينه وبينها إلا مفارقة روحه بدنه؛ فيقال يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨)[الفجر] .
قال الغزالي: بيّن بهذا الحديث أن طريق الجنّة وعر، وسبيل صعب كثير العقبات شديد المشقّات، بعيد المسافات عظيم الآفات، كثير العوائق والموانع، خفيّ المهالك والقواطع، عزيز الأعداء والقطّاع، عزيز الأتباع والأشياع؛ وهكذا يجب أن يكون.
قال ابن حجر: وهذا من جوامع كلم المصطفى صلى الله عليه وسلّم وبديع بلاغته في ذمّ الشّهوات؛ وإن مالت إليها النّفوس، والحث على الطاعات؛ وإن كرهتها وشقّت عليها.
والحديث متفق عليه؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه. لكن للبخاري «حجبت» بدل «حفّت» في الموضعين؛ ورواه القضاعي؛ عن أبي هريرة بلفظ مسلم؛ وأخرج الإمام