للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٨٩- «لا يكون الرّجل من المتّقين.. حتّى يدع ما لا بأس فيه، حذرا ممّا به بأس» .

أراد به تنبيه المؤمن على عدم عوده لمحلّ حصول مضرّة سبقت له فيه، وكما أن هذا مطلوب في أمر الدّنيا؛ فكذا في أمور الآخرة، فالمؤمن إذا أذنب ينبغي أن يتألّم قلبه كاللّديغ، ويضطرب ولا يعود. انتهى.

وسبب الحديث أنّ أبا عزة الجمحي «١» أسر ببدر فمنّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يهجوه، ولا يحرّض عليه؛ فغدر، ثم أسر بأحد، فقال: يا رسول الله؛ غلبت أقلني. فقال: «لا أدعك تمسح عارضيك بمكّة تقول (خدعت محمّدا مرّتين) ! وإنّ المؤمن لا يلدغ من جحر مرّتين» . ثم أمر بضرب عنقه، فصار الحديث مثلا.

ولم يسمع ذلك قبل المصطفى صلى الله عليه وسلم.

نعم ذكر الشّهاب الخفاجي: أنّ من حكم اليونان وأمثالهم قولهم: لا يرمى العاقل بحجر مرتين. فانظر الفرق بين كلام النّبوّة وغيرها!!.

وفي «العزيزي» : قيل: المراد بالمؤمن في هذا الحديث الكامل الّذي أوقفته معرفته على غوامض الأمور، حتى صار يحذر مما سيقع، وأمّا المؤمن المغفّل! فقد يلدغ مرارا من جحر.

وفيه أدب شريف أدّب به النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمّته، ونبّههم كيف يحذرون ممّا يخافون سوء عاقبته. انتهى.

والحديث ذكره في «الجامع» مرموزا له برمز الإمام أحمد، والشّيخين:

البخاري ومسلم، وأبي داود، وابن ماجه كلّهم؛ عن أبي هريرة، وبرمز الإمام أحمد وابن ماجه كلاهما؛ عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

٢٨٩- ( «لا يكون الرّجل من المتّقين) - أي: لا يبلغ العبد حقيقة التّقوى- (حتّى يدع ما لا بأس فيه حذرا ممّا به بأس» ) أي: يترك فضول الحلال؛ حذرا من


(١) وكان شاعرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>