للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تعسّروا، وبشّروا ولا تنفّروا» .

بذكر ما يؤلّفهم لقبول الموعظة في جميع الأيّام، لئلا يثقل عليهم فينفروا، وذلك لأن التّيسير في التعليم يورّث قبول الطاعة، ويرغّب في العبادة، ويسهل به العلم والعمل.

(ولا تعسّروا) ؛ لا تشدّدوا، أردفه بنفي التعسير مع أنّ الأمر بشيء نهي عن ضده تصريحا بما لزم ضمنا للتأكيد. ذكره الكرماني. وأولى منه قول جمع (عقّبه به إيذانا بأن مراده نفي التّعسير رأسا، ولو اقتصر على «يسّروا» لصدق على كل من يسّر مرّة وعسّر كثيرا) ، كذا قرره أئمة هذا الشّأن، ومنهم النّووي وغيره.

(وبشّروا) بفضل الله، وعظيم ثوابه، وجزيل عطائه، وسعة رحمته، وشمول عفوه ومغفرته؛ من التّبشير، وهو إدخال السّرور، والبشارة: الإخبار بخبر سار.

وقوله «بشّروا» بعد قوله «يسّروا» فيه جناس خطيّ «١» ، ولم يكتف به، بل أردفه بقوله:

(ولا تنفّروا» ) لما مرّ وهو من التّنفير؛ أي: لا تذكروا شيئا تنهزمون منه، ولا تصدّروا بما فيه الشّدّة.

وقابل «٢» به «بشّروا» مع أنّ ضد البشارة النّذارة!! لأن القصد من النفارة التّنفير، فصرّح بالمقصود منها.

وهذا الحديث- كما قاله الكرماني وغيره- من جوامع الكلم لاشتماله على الدّنيا والآخرة، لأن الدّنيا دار العمل؛ والآخرة دار الجزاء، فأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالدّنيا بالتسهيل، وفيما يتعلّق بالآخرة بالوعد الجميل والإخبار بالسّرور؛ تحقيقا لكونه رحمة للعالمين في الدّارين.


(١) وهو المسمّى «جناسا غير تامّ» لعدم اتحاد نوع الحروف.
(٢) من المقابلة أحد أنواع علم البديع؛ من علوم البلاغة، وهي ذكر المعنى وضدّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>