ضرر الخمر بالرأس شديد، لأنّه يسرع الارتفاع إليه، ويرتفع بارتفاعه الأخلاط التي تعلو في البدن، وهو كذلك يضرّ بالذّهن.
وقال صاحب «الكامل» : إنّ خاصّيّة الشّراب الإضرار بالدّماغ والعصب. وأمّا غيره من الأدوية المحرّمة! فنوعان:
أحدهما: تعافه النّفس، ولا تنبعث لمساعدته الطّبيعة على دفع المرض به؛ كالسّموم، ولحوم الأفاعي، وغيرها من المستقذرات، فيبقي كلّا على الطّبيعة مثقلا لها، فيصير حينئذ داء لا دواء.
والثّاني: ما لا تعافه النّفس؛ كالشّراب الّذي تستعمله الحوامل مثلا، فهذا ضرره أكثر من نفعه، والعقل يقضي بتحريم ذلك، فالعقل والفطرة مطابق للشّرع في ذلك.
وههنا سرّ لطيف في كون المحرّمات لا يستشفى بها، فإنّ شرط الشّفاء بالدّواء تلقيه بالقبول، واعتقاد منفعته، وما جعل الله فيه من بركة الشّفاء، فإنّ النّافع هو المبارك. وأنفع الأشياء أبركها. والمبارك من النّاس أينما كان هو الّذي ينتفع به حيث حلّ.
ومعلوم أنّ اعتقاد المسلم تحريم هذه العين ممّا يحول بينه وبين اعتقاد بركتها ومنفعتها؛ وبين حسن ظنّه بها؛ وتلقّي طبعه لها بالقبول، بل كلّما كان العبد أعظم إيمانا؛ كان أكره لها، وأسوأ اعتقادا فيها، وطبعه أكره شيء لها، فإذا تناولها في هذه الحال؛ كانت داء له لا دواء، إلّا أن يزول اعتقاد الخبث فيها، وسوء الظّنّ والكراهة لها بالمحبّة، وهذا ينافي الإيمان، فلا يتناولها المؤمن قطّ إلا على وجه داء. والله أعلم. انتهى كلام ابن القيّم رحمه الله تعالى.
(وروى البخاريّ) ، ومسلم، وابن ماجه في «الطّبّ» كلّهم؛