للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.........

لخبثه، فإنّه لم يحرّم على هذه الأمّة طيّبا؛ عقوبة لها، كما حرّمه على بني إسرائيل بقوله فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [١٦٠/ النساء] .

وإنّما حرّم على هذه الأمّة ما حرّم! لخبثه، وتحريمه له حمية لهم، وصيانة عن تناوله، فلا يناسب أن يطلب به الشّفاء من الأسقام والعلل، فإنّه؛ وإن أثّر في إزالتها لكنّه يعقب سقما أعظم منه في القلب بقوّة الخبث الذي فيه، فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب.

وأيضا؛ فإنّ تحريمه يقتضي تجنّبه؛ والبعد عنه بكلّ طريق، وفي اتّخاذه دواء حضّ على التّرغيب فيه، وملابسته. وهذا ضدّ مقصود الشّارع.

وأيضا؛ فإنّه داء، كما نصّ عليه صاحب الشّريعة، فلا يجوز أن يتّخذ دواء.

وأيضا؛ فإنه يكسب الطّبيعة والرّوح صفة الخبث، لأنّ الطّبيعة تنفعل عن كيفية الدّواء انفعالا بيّنا، فإذا كانت كيفيّته خبيثة؛ اكتسبت الطّبيعة منه خبثا، فكيف إذا كان خبيثا في ذاته؟! ولهذا حرّم الله سبحانه على عباده الأغذية؛ والأشربة؛ والملابس الخبيثة لما تكتسب النّفس من هيئة الخبث وصفته.

وأيضا؛ فإنّ في إباحة التّداوي به- ولا سيّما إذا كانت النّفوس تميل إليه- ذريعة إلى تناوله للشّهوة؛ واللّذة. لا سيّما إذا عرفت النّفوس أنّه نافع لها، مزيل لأسقامها، جالب لشفائها؛ فهذا أحبّ شيء إليها، والشّارع سدّ الذّريعة إلى تناوله بكلّ ممكن. ولا ريب أنّ بين سدّ الذّريعة إلى تناوله وفتح الذّريعة إلى تناوله تناقضا وتعارضا.

وأيضا؛ فإنّ في هذا الدّواء المحرّم من الأدواء ما يزيد على ما يظنّ به من الشفاء.

ولنفرض الكلام في أمّ الخبائث الّتي ما جعل الله لنا فيها شفاء قطّ؛ فإنّها شديدة المضرّة بالدّماغ؛ الّذي هو مركز العقل عند الأطبّاء وكثير من الفقهاء والمتكلمين!!

<<  <  ج: ص:  >  >>