قال ابن عبد البرّ: النّهي عن الدّخول لدفع ملامة النّفس، وعن الخروج للإيمان بالقدر. انتهى.
والأكثر على أنّ النّهي عن الفرار منه للتّحريم. وقيل: للتّنزيه. ومفهوم الحديث جوازه لشغل عرض غير الفرار، وحكي عليه الاتفاق.
قال الحافظ ابن حجر: ولا شكّ أنّ الصّور ثلاث:
١- من خرج لقصد الفرار محضا، فهذا يتناوله النّهي؛- لا محالة-.
و٢- من خرج لحاجة متمحّضة، لا لقصد الفرار أصلا، ويتصوّر ذلك فيمن تهيّأ للرّحيل من بلد إلى بلد كان بها إقامته- مثلا- ولم يكن الطّاعون وقع؛ فاتّفق وقوعه أثناء تجهّزه، فهذا لم يقصد الفرار أصلا فلا يدخل في النهي.
الثّالث: من عرضت له حاجة فأراد الخروج إليها، وانضمّ إلى ذلك أنه قصد الرّاحة من الإقامة بالبلد التي وقع بها الطّاعون؟ فهذا محلّ النّزاع، كأن تكون الأرض الّتي وقع بها وخمة والأرض الّتي يتوجّه إليها صحيحة؛ فتوجّه بهذا القصد إليها!!. فمن منع نظر إلى صورة الفرار في الجملة. ومن أجاز نظر إلى أنه لم يتمحّض القصد للفرار، وإنّما هو لقصد التّداوي. انتهى.
وقد ذكر العلماء في النّهي عن الخروج حكما:
منها أنّ الطّاعون يكون في الغالب عامّا في البلد- الّذي يقع فيه، فإذا وقع؟
فالظّاهر مداخلة سببه لمن هو بها؛ فلا يفيده الفرار، لأنّ المفسدة إذا تعيّنت حتّى لا يقع الانفكاك عنها كان الفرار عبثا؛ فلا يليق بالعاقل.
ومنها أنّ النّاس لو تواردوا على الخروج؛ لصار من عجز عنه بالمرض المذكور، أو بغيره، أو الكبر ضائع المصلحة، لفقد من يتعهّده حيّا وميتا وأيضا لو شرع الخروج فخرج، الأقوياء؛ لكان في ذلك كسر قلوب الضّعفاء الّذين لا يقدرون على الخروج.