للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي هذا الحديث ...

ومنها ما ذكره بعض الأطبّاء: أن المكان الّذي يقع به الوباء؛ تتكيّف أمزجة أهله بهواء تلك البقعة؛ فتألفها، ويصير لهم كالأهوية الصّحيحة لغيرهم. فلو انتقلوا إلى الأماكن الصحيحة؛ لم توافقهم! بل ربّما إذا استنشقوا هواءها، استصحب معه إلى القلب؛ من الأبخرة الرّديّة، الّتي حصل تكيّف بدنها بها، فأفسدته!؟ فمنع من الخروج لهذه النّكتة.

ومنها أنّ الخارج يقول: لو أقمت لأصبت بالطّاعون!! والمقيم يقول: لو خرجت لسلمت! فيقع في «اللّو» المنهيّ عنه، بقوله صلى الله عليه وسلم: «إيّاك» و «لو» ؛ «فإنّ لو من الشّيطان» . رواه مسلم. انتهى. من «المواهب» وشرحها.

فإن قيل: ظاهر الحديث ليس فيه طبّ من الطّاعون؟ وإنّما فيه نهيه عن الخروج والدّخول؟

والجواب: أنّه نهي شرعيّ، مشتمل على طبّ بدنيّ، لأن النّبي صلى الله عليه وسلم جمع للأمّة في نهيه عن الدّخول إلى الأرض، الّتي هجر بها، ونهيه عن الخروج منها، بعد وقوعه جمع لها كمال التّحرّز منه، لأن في الدّخول في الأرض الّتي هو بها تعرّضا للبلاء، وتجنّب الدّخول من باب الحمية الّتي أرشدنا الله إليها، وهي حمية عن الأمكنة، والأهوية المؤذية، كما أنّ نهيه عن الخروج من بلده؛ فيه حمل النّفوس على الثّقة بالله والتّوكّل عليه، والصّبر على أقضيته؛ والرّضا بها.

فظهر المعنى الطّبّي من الحديث النّبويّ، وما فيه من علاج القلب والبدن، وصلاحهما؛ كما ذكره ابن القيّم رحمه الله تعالى.

(و) قد (روي) - ببناء المجهول- (هذا الحديث) ؛ أي: حديث الطّاعون، الّذي رواه أسامة المذكور؛ وليس المراد بصيغة التّمريض الإشارة إلى ضعف الحديث؟ بل القصد بها الاختصار بحذف راويه، لأنّ الحديث صحيح؛ رواه البخاريّ في «الطّبّ والحيل» ، ومسلم في «الطّبّ» ، وأبو داود في «الجنائز» .

<<  <  ج: ص:  >  >>