للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا التفت.. التفت معا، بين كتفيه خاتم النّبوّة.

وهو خاتم النّبيّين، أجود النّاس صدرا، ...

(وإذا التفت التفت معا) ؛ أي: بجميع أجزائه، فلا يلوي عنقه يمنة أو يسرة إذا نظر إلى الشيء، لما في ذلك من الخفّة وعدم الصيانة، وإنّما كان يقبل جميعا ويدبر جميعا، لأنّ ذلك أليق بجلالته ومهابته. وفي «ألفيّة العراقي» :

يقبل كلّه إذا ما التفتا ... وليس يلوي عنقا تلفّتا

وينبغي- كما قاله الدّلجي- أن يخصّ هذا بالتفاته وراءه، أما لو التفت يمنة أو يسرة!! فالظاهر أنّه بعنقه الشريف. وقيل: أراد بذلك أنّه لا يسارع. قال القسطلّاني: وهو أقرب لما يأتي: أنه كان جلّ نظره الملاحظة. انتهى.

(بين كتفيه خاتم) - بفتح التاء وكسرها، والكسر أشهر وأفصح، وهو في الأصل-: ما يختم به كالطابع. والمراد هنا الأثر الذي بين كتفيه المنعوت به في الكتب المتقدمة، وكان علامة أنّه النبي الموعود به في تلك الكتب. وهو: قطعة لحم بارزة بين كتفيه بقدر بيضة الحمامة أو غيرها بحسب اختلاف الروايات فيه، وإضافته إلى (النّبوّة) لكونه علامتها.

وهذه الجملة غير معطوفة على ما قبلها لعدم المناسبة.

(وهو خاتم النّبيّين) أي: آخرهم، فلا نبيّ بعده تبتدأ نبوّته. فلا يرد عيسى عليه الصلاة والسلام لأنّ نبوّته سابقة؛ لا مبتدأة بعد نبينا صلّى الله عليه وسلم. فعيسى إنّما ينزل حاكما بشريعته ومتابعا لها مستمدّا أحكامه من الكتاب والسنة.

وهذه الجملة حاليّة مكمّلة لما قبلها؛ أو معطوفة عليها لوجود المناسبة.

(أجود النّاس صدرا) ؛ أي: من جهة الصدر، والمراد به هنا القلب تسمية للحال باسم المحلّ، إذ الصدر محلّ القلب الذي هو محلّ الجود. والمعنى: أنّ جوده عن طيب قلب وانشراح صدر؛ لا عن تكلّف وتصنّع. وفي رواية: أوسع الناس صدرا؛ وهو كناية عن عدم الملل من الناس على اختلاف طباعهم وتباين

<<  <  ج: ص:  >  >>