للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصدق النّاس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة.. هابه، ...

أمزجتهم، كما أن ضيق الصّدر كناية عن الملل. انتهى «باجوري» .

(وأصدق النّاس لهجة) - بسكون الهاء وتفتح؛ والفتح أفصح- واللهجة: هي اللسان. لكن لا بمعنى العضو المعروف؛ بل بمعنى الكلام. لأنه هو الذي يتّصف بالصّدق؛ فلا مجال لجريان صورة الكذب في كلامه. ووضع الظاهر موضع المضمر في قوله «أصدق الناس» !! لزيادة التمكّن؛ كما في قوله تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ) (٢) [الإخلاص] . وإنما لم يجر على سننه فيما بعد!! اكتفاء في حصول النكتة بهذا.

(وألينهم عريكة) ألين، من اللّين؛ وهو ضدّ الصلابة. والعريكة: الطبيعة؛ وزنا ومعنى، ومعنى لينها: انقيادها للخلق في الحقّ. فكان معهم على غاية من التواضع وقلّة الخلاف والنفور. وهذه الجملة منبئة عن كمال مسامحته صلّى الله عليه وسلم ووفور حلمه؛ ما لم تنتهك حرمات الله تعالى.

(وأكرمهم عشرة) - بالكسر- اسم من المعاشرة؛ وهي المخالطة.

فمعاشرته صلّى الله عليه وسلم ومخالطته أكرم من جميع مخالطة الناس كما يدلّ عليه قوله: (من رآه بديهة) ؛ أي: رؤية بديهة، فهو مفعول مطلق، يعني فجأة من غير سابقة مخالطة ومعرفة أحواله، أو قبل النظر في أخلاقه العليّة وأحواله السّنيّة (هابه) ؛ أي: خافه لما فيه من صفة الجلال الربّانيّة، ولما عليه من الهيبة الإلهية والفيوضات السماوية.

قال ابن القيّم: والفرق بين المهابة والكبر: أنّ المهابة أثر من آثار امتلاء القلب بعظمة الربّ ومحبّته وإجلاله، فإذا امتلأ القلب بذلك حلّ فيه النور، ونزلت عليه السكينة، وألبس رداء الهيبة؛ فكلامه نور؛ وعلمه نور، إن سكت علاه الوقار، وإن نطق أخذ بالقلوب والأبصار.

وأما الكبر! فإنّه أثر من آثار امتلاء القلب بالجهل والظلم والعجب. فإذا امتلأ القلب بذلك ترحّلت عنه العبودية، وتنزّلت عليه الظلمات الغضبية، فمشيته بينهم

<<  <  ج: ص:  >  >>