ومن خالطه معرفة.. أحبّه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله.
تبختر، ومعاملته لهم تكبّر، لا يبدأ من لقيه بالسلام؛ وإن ردّ عليه يريه أنّه بالغ في الإنعام، لا ينطلق لهم وجهه، ولا يسعهم خلقه. وقد حمى الله حبيبه من هذه الأخلاق.
(ومن خالطه) ؛ أي: عاشره وصاحبه (معرفة) ؛ أي: مخالطة معرفة، أو لأجل المعرفة (أحبّه) حبّا شديدا حتى يصير أحبّ إليه من والده وولده والناس أجمعين، لظهور ما يوجب الحبّ من كمال حسن خلقه ومزيد شفقته.
وخرج بقوله «معرفة» من خالطه تكبّرا، كالمنافقين، فلا يحبّه.
(يقول ناعته) ؛ أي: واصفه بالجميل على سبيل الإجمال، لعجزه عن أن يصفه وصفا تامّا بالغا على سبيل التفصيل:(لم أر قبله ولا بعده مثله) ؛ أي: من يساويه صورة وسيرة وخلقا وخلقا، إذ ليس في الناس من يماثله في الجمال، ولا في الخلق من يشابهه على وجه الكمال. هذا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وهو هو في العلم والمعرفة، وقال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«أنا مدينة العلم وعليّ بابها» بعد أن عدّد بعض البعض من صفات جماله ونعوت كماله صلّى الله عليه وسلم- اعترف بالعجز عن استقصاء محاسن هذا الجناب الأرفع، ورجع إلى القصور عن إدراك كمالات هذا الشفيع المشفّع؛ إشارة إلى أن الجناب المذكور في غاية العلوّ ونهاية الارتفاع، فمن طاوله ورام استقصاء كمالاته عجز وانقطع.
ثمّ اعلم أنّ المنفيّ عموم الشّبه؛ لا أصله أو معظمه، فلا ينافي ما ذكره العلماء من أنّ الذين كانوا يشبهونه صلّى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم، وابنته فاطمة، وابناها الحسن والحسين، وجعفر بن أبي طالب، والسائب بن عبيد «جدّ الإمام الشافعي» ، وعبد الله بن عامر بن كريز العبشمي، وكابس بن ربيعة «رجل من أهل البصرة» ؛ كان أنس إذا رآه بكى، وعبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، ومسلم بن معتب بن أبي لهب، وعبد الله بن أبي طلحة الخولاني، في آخرين من التابعين. وذكر أيضا فيهم عثمان بن عفان. قال في «المواهب» : وعدّهم بعضهم سبعا وعشرين نفسا. وإنّما ذكر المصنف في باب الخلق ما ليس منه محافظة على تمام الخبر.