فنظرت إلى وجهه كأنّه ورقة مصحف، والنّاس خلف أبي بكر، فكاد النّاس أن يضطربوا، فأشار إلى النّاس: أن اثبتوا وأبو بكر يؤمّهم، وألقى السّجف، وتوفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من آخر ذلك اليوم.
(فنظرت إلى وجهه) الشّريف (كأنّه ورقة) - بفتح الرّاء- (مصحف) - مثلّث الميم، والأشهر ضمّها-، وهو كناية عن الجمال البارع وحسن البشرة، وصفاء الوجه، واستنارته؛ قاله الزّرقاني.
(والنّاس خلف أبي بكر) الصّدّيق رضي الله تعالى عنه؛ قد اقتدوا به في صلاة الصّبح بأمره صلى الله عليه وسلم، (فكاد النّاس أن يضطربوا) في صلاتهم بأن يخرجوا منها فرحا برسول الله صلى الله عليه وسلم، لاعتقادهم خروجه صلى الله عليه وسلم ليصلّي بهم، (فأشار) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى النّاس: أن اثبتوا) مكانكم في صلاتكم. و «أن» تفسيريّة لمعنى الإشارة؛ لما في الإشارة من معنى القول، فهو نظير قوله فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ [٢٧/ المؤمنون] .
(وأبو بكر يؤمّهم) ؛ أي: يصلّي بهم إماما في صلاة الصّبح بأمره، حيث قال:«مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس» .
(وألقى) ؛ أي: أرخى (السّجف) - بكسر السّين وفتحها- أي: السّتر، وهو الّذي عبر عنه أولا بالسّتارة.
(وتوفّي) - بصيغة المجهول- (رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر ذلك اليوم) ؛ وهو يوم الاثنين، وكان ابتداء مرضه صلى الله عليه وسلم من صداع عرض له، ثمّ اشتدّ به؛ حتّى صار يقول:«أين أنا غدا.. أين أنا غدا؟» ثمّ استأذن أزواجه أن يمرّض في بيت عائشة لمحبّته لها؛ مع علمه بأنّ بيتها مدفنه، فأذنّ له أن يمرّض عندها، وامتدّ به المرض، حتّى مات في اليوم الثّاني عشر من ربيع الأوّل، وكان يوم الاثنين.
وكونه توفّي آخر ذلك اليوم لا ينافي جزم أهل السّير بأنّه مات حين اشتدّ الضّحى!! بل حكى صاحب «جامع الأصول» : الاتّفاق عليه، لأنّ المراد بقولهم