ومنها أنّه قال ذلك تواضعا وشرعة لأمّته؛ ليكتسبوا به الفضيلة والثّواب.
ومنها أنّ الدّعاء للاستقبال، فما كان من خير قد أعطيه النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبل الدّعاء لم يقع في التّشبيه، وإنّما وقع في التّشبيه الزائد على ما كان عنده، فطلب أن يكون له مثل ما كان لإبراهيم؛ زيادة على ما خصّه الله تعالى به قبل السّؤال.
ومنها دفع المقدّمة المذكورة أوّلا؛ وهي: أنّ المشبّه به يكون أرفع من المشبّه: بأنّ ذلك ليس مطّردا؟! بل قد يكون التّشبيه بالمثل؛ بل بالدّون!! كما في قوله تعالى مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ [٣٥/ النور] ، وأين يقع نور المشكاة من نوره تعالى!؟
ولكن لمّا كان المراد من المشبّه به أن يكون شيئا ظاهرا واضحا للسّامع؛ حسن تشبيه النّور بالمشكاة، وكذا هنا: لمّا كان تعظيم إبراهيم عليه السلام وآل إبراهيم بالصّلاة عليهم واضحا مشهورا عند جميع الطّوائف؛ حسن أن يطلب لمحمّد وآل محمّد بالصّلاة عليهم مثل ما حصل لإبراهيم عليه السلام وآل إبراهيم عليه السلام.
ويؤيّد ذلك ختم الطّلب المذكور بقوله: في العالمين؛ كما جاء في رواية الصّلاة الإبراهيميّة، أي: كما أظهرت الصّلاة على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم في العالمين. فالتّشبيه المذكور ليس من باب إلحاق النّاقص بالكامل، لكن من إلحاق ما لم يشتهر بما اشتهر.
وقالوا أيضا؛ في خصوص التّشبيه بإبراهيم دون غيره من الأنبياء- على جميعهم الصّلاة والسّلام-: إنّ ذلك لأبوّته، فكان أقرب إليه من غيره.
ولأن التّشبيه بالآباء والفضائل مرغوب فيه، ولرفعة شأنه في الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام، ولما هو معروف لهم في هذه الملّة الشّريفة؛ ممّا لا يحتاج إلى تعريف به، ولا بيان له؛ الّذي منه موافقته في معالم الملّة. وكأنّ هذا يلاحظ قوله تعالى مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ [٧٨/ الحج] .