قال:«ورؤيا المؤمن جزء من ستّة وأربعين جزآ من النّبوّة» .
(قال:) ؛ أي: أنس- على ما هو ظاهر صنيع المصنّف- وإلّا لقال «وقال» ! لكنّه موقوف في حكم المرفوع! ولا يبعد أن يكون الضّمير له صلى الله عليه وسلم، بل هو الأقرب، لأنّ الأشهر أنّ هذا مرفوع في البخاري وغيره.
( «ورؤيا) - مصدر؛ كالرّجعى- (المؤمن) والمؤمنة الصالحين، والمراد غالب رؤياهما، وإلّا! فقد تكون رؤياهما أضغاث أحلام؛ أي: أخلاط أحلام فلا يصحّ تأويلها لاختلاطها؛ (جزء من ستّة وأربعين جزآ من النّبوّة» ) .
وجه ذلك- على ما قيل-: أنّ زمن الوحي ثلاثة وعشرون سنة، وأوّل ما ابتدئ به صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة، وكان زمنها ستّة أشهر، ونسبة ذلك إلى سائر المدّة المذكورة جزء من ستة وأربعين جزآ، ولا حرج على أحد في الأخذ بظاهر ذلك.
لكن لم يرد أثر أنّ زمن الرؤيا ستّة أشهر!! مع كون هذا التوجيه لا يظهر في بقية الرّوايات غير هذه الرّواية؟! فإنّ [هـ] ورد في رواية: «من خمس وأربعين» ، وفي رواية «من أربعين» ، وفي رواية «من خمسين» ... إلى غير ذلك، واختلاف الرّوايات يدلّ على أنّ المراد التكثير؛ لا التحديد.
ولا يبعد أن يحمل اختلاف الأعداد المذكورة على اختلاف أحوال الرّائي في مراتب الصّلاح، وأظهر ما قيل في معنى كون الرؤيا جزآ من أجزاء النّبوّة: أنّها جزء من أجزاء علم النّبوّة، لأنّها يعلم بها بعض الغيوب، ويطلع بها على بعض المغيّبات، ولا شكّ أنّ علم المغيّبات من علم النّبوّة، ولذلك قال الإمام مالك رضي الله عنه لما سئل: أيعبّر الرّؤيا كلّ أحد؟ قال: أبالنّبوّة يلعب!! ثمّ قال:
الرّؤيا جزء من النّبوّة. وليس المراد أنّها نبوّة باقية حقيقة.
ويؤيّد ذلك الحديث الّذي رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه:«لم يبق من النّبوّة إلّا المبشّرات» ، قالوا: وما المبشّرات؟ قال: «الرّؤيا الصّالحة؛ يراها