وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله تعالى: رؤيته صلى الله عليه وسلم بصفته المعلومة الّتي كان عليها إدراك له على الحقيقة، ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال، فإنّ الصّواب أنّ الأنبياء لا تغيّرهم الأرض، ويكون إدراك الذّات الكريمة حقيقة، وإدراك الصّفات إدراك المثال؛ لا الحقيقة.
أي: فالأولى لا تحتاج إلى تعبير، والثّانية تحتاجه.
وللصّوفيّة ما يوافق معنى هذا؛ وإن اختلف اللّفظ، حيث قالوا: هنا ميزان يجب التّنبّه له؛ وهو: أنّ الرّؤيا الصّحيحة أن يرى بصورته الثّابتة بالنّقل الصّحيح، فإن رآه بغيرها كطويل أو قصير؛ أو شيخ؛ أو شديد السّمرة!! لم يكن رآه.
وحصول الجزم في نفس الرّائي بأنّه رآه غير حجّة، بل ذلك المرئيّ صورة الشّرع «١» بالنّسبة لاعتقاد الرّائي، أو حاله، أو صفته، أو حكم من أحكام الإسلام، أو بالنّسبة للمحل الّذي رأى فيه تلك الصّورة. قال القونويّ كابن عربي الحاتمي: وقد جرّبناه فوجدناه لم ينخرم. انتهى «زرقاني» .
(وقد) علم من ذلك صحّة أن (يراه جمع) ؛ في آن واحد؛ في أقطار متباعدة؛ (بأوصاف مختلفة) ، لأنّه صلى الله عليه وسلم سراج ونور، والشّمس في هذا العالم مثال نوره في العوالم كلّها، فكما أنّ الشّمس يراها كلّ إنسان في الشّرق والغرب في ساعة واحدة؛ وبصفات مختلفة؛ فكذلك هو صلى الله عليه وسلم، والاختلافات إنّما ترجع إلى اختلاف الرّائين؛ لا المرئيّ- كما تقدّم-.
قال أبو سعيد؛ أحمد بن محمّد نصر: من رأى نبيّا على حاله وهيئته فذلك دليل على صلاح حال الرّائي، وكمال جاهه، وظفره بمن عاداه، ومن رآه متغيّر
(١) يفهم هذا مما ذكره في «سعادة الدارين» ص ٤٢٦. (هامش الأصل) .