للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.........

وقال عليه الصلاة والسلام: «مررت على موسى عليه الصّلاة والسّلام ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر؛ وهو قائم يصلّي في قبره» . وهذا صحيح «١» في إثبات الحياة لموسى؛ فإنّه وصفه بالصّلاة، وأنّه كان قائما، ومثل هذا لا توصف به الرّوح، وإنّما يوصف به الجسد. وفي تخصيصه بالقبر، فإنّ أحدا لم يقل: أرواح الأنبياء مسجونة في القبر مع الأجساد، وأرواح الشّهداء والمؤمنين في الجنّة.

وفي حديث ابن عبّاس: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكّة والمدينة، فمررنا بواد؛ فقال: «أيّ واد هذا؟» . فقلنا: وادي الأزرق، فقال: «كأنّي أنظر إلى موسى واضعا أصبعيه في أذنيه، له جؤار إلى الله تعالى بالتّلبية، مارّا بهذا الوادي» . ثمّ سرنا حتّى أتينا على ثنيّة؛ فقال: «كأنّي أنظر إلى يونس على ناقة حمراء؛ عليه جبّة صوف، مارّا بهذا الوادي ملبّيا!!» .

وسئل هنا: كيف ذكر حجّهم وتلبيتهم، وهم أموات، وهم في الآخرى، وليست دار عمل؟!.

فأجيب بأن الشّهداء أحياء عند ربهم يرزقون، فلا يبعد أن يحجّوا ويصلّوا ويتقرّبوا بما استطاعوا، وأنّهم؛ وإن كانوا في الآخرى؛ فإنّهم في هذه الدّنيا الّتي هي دار العمل، حتّى إذا فنيت وأعقبتها الآخرى الّتي هي دار الجزاء انقطع العمل، هذا لفظ القاضي عياض؛ رحمه الله تعالى.

فإذا كان القاضي عياض يقول: إنّهم يحجّون بأجسادهم؛ ويفارقون قبورهم، فكيف يستنكر مفارقة النّبي صلى الله عليه وسلم لقبره!! فإنّ النّبي صلى الله عليه وسلم إذا كان حاجّا، وإذا كان مصلّيا بجسده في السّماء؛ فليس مدفونا في القبر.

قال الإمام الحافظ السّيوطي- رحمه الله تعالى-:

فحصل من مجموع هذه النّقول والأحاديث: أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم حيّ بجسده وروحه،


(١) لعلها: صريح!.

<<  <  ج: ص:  >  >>