للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» ...

(وبمعافاتك من عقوبتك) استعاذ بمعافاته بعد استعاذته برضاه!! لأنّه يحتمل أن يرضى عنه من جهة حقوقه ويعاقبه على حقوق غيره.

(وأعوذ بك منك) ؛ أي: برحمتك من عقوبتك، فإنّ ما يستعاذ منه صادر عن مشيئته وخلقه بإذنه وقضائه، فهو الّذي سبّب الأسباب التي يستعاذ منها خلقا وكونا، وهو الّذي يعيذ منها ويدفع شرّها خلقا وكونا، فمنه السّبب والمسبّب، وهو الّذي حرّك الأنفس والأبدان، وأعطاها قوى التّأثير، وهو الّذي أوجدها وأعدّها وأمدّها، وهو الّذي يمسكها إذا شاء، ويحول بينها وبين قواها وتأثيرها، فتأمل ما تحت قوله «أعوذ بك منك» من محضر التوحيد وقطع الالتفات إلى غيره، وتكميل التوكّل عليه، وإفراده بالاستعانة وغيره!!.

(لا أحصي ثناء عليك) في مقابلة نعمة واحدة من نعمك، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [١٨/ النحل] . والغرض منه الاعتراف بتقصيره عن أداء ما أوجب عليه من حقّ الثّناء عليه تعالى.

(أنت كما أثنيت على نفسك» ) بقولك فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٦) [الجاثية] . وغير ذلك مما حمدت به نفسك، وهذا اعتراف بالعجز عن التّفصيل، وأنّه غير مقدور؛ فوكّله إليه سبحانه، وكما أنّه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثّناء عليه، إذ الثّناء تابع للمثنى عليه، فكلّ ثناء أثني عليه به؛ وإن كثر وطال وبولغ فيه فقدر الله أعظم، وسلطانه أعزّ، وصفاته أجلّ؛ ذكره القاضي.

والمعنى: إن أردت أن أثني عليك في مقابلة نعمة لم أطق، فحينئذ أنت موصوف بالثّناء الّذي مثل ثنائك على نفسك.

قال العلماء: ولو حلف «أن يثني عليه تعالى أجلّ الثّناء» برّ بقوله:

«سبحانك؛ لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» ؛ لأنّ أحسن الثّناء

<<  <  ج: ص:  >  >>