وعند مسلم؛ من رواية أنس بن مالك أنه صلّى الله عليه وسلم؛ قال:«أيّها النّاس؛ إنّي إمامكم، فلا تسبقوني بالرّكوع ولا بالسّجود، فإنّي أراكم من أمامي ومن خلفي» .
وفي البخاريّ؛ عن أنس: صلّى بنا النبي صلّى الله عليه وسلم صلاة ثمّ رقى المنبر؛ فقال في الصلاة وفي الركوع:«إنّي لأراكم من ورائي كما أراكم من أمامي» .
وفي مسلم:«إنّي لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يديّ» .
وفي أخرى لمسلم:«إنّي لأبصر من قفاي كما أبصر من بين يديّ» .
وفي بعض الروايات لعبد الرزاق، والحاكم:«إنّي لأنظر من ورائي كما أنظر من بين يديّ» ، ورواه أيضا مالك وأحمد وغيرهما وفي لفظه اختلاف. انتهى كلامهما.
قال في «المواهب» : وهذه الرؤية المذكورة في حديث ابن عبّاس وعائشة وأبي هريرة وأنس ومجاهد رؤية إدراك، أي: إبصار حقيقيّ خاصّ به صلّى الله عليه وسلم انخرقت له فيه العادة، ولذا أخرجه البخاري في «علامات النبوّة» .
والرؤية من حيث هي؛ لا بقيد وصف المصطفى بها؛ لا تتوقّف على وجود آلتها التي هي العين عند أهل الحقّ، ولا تتوقّف على وجود شعاع؛ ولا على مقابلة، وهذا بالنسبة إلى القديم العالي.
أما المخلوق! فتتوقّف صفة الرؤية في حقّه على الحاسّة والشعاع والمقابلة بالاتفاق، ولهذا كان ما ذكر من إبصاره من وراء ظهره خرق عادة في حقّه عليه الصلاة والسلام، وخالق البصر في العين قادر على خلقه في غيرها.
قال الحرالّي- بفتح الحاء المهملة والراء وشد اللام-: وهذه الآية قد جعلها الله تعالى دالّة على ما في حقيقة أمره في الاطلاع الباطن؛ لسعة علمه ومعرفته، لمّا عرّفهم بربّه- بأن بلّغهم بأنه إله واحد في ذاته وصفاته، مستحقّ لأن يعبد.. وغير ذلك مما يليق به، ولم يعرّفهم بنفسه، وما اشتملت عليه ذاته من الكمالات- أطلعه على ما بين يديه مما تقدّم من أمر الله، وعلى ما وراء الوقت مما تأخّر من أمر الله؛