وكان ينفّذ الحقّ وإن عاد ذلك بالضّرر عليه وعلى أصحابه.
وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا كره شيئا.. عرف ذلك في وجهه.
ولا ينتصر لها، بل يعفو عن المعتدي عليه؛ لكمال حسن خلقه، فلم يبق فيه حظّ من حظوظ الدنيا وشهواتها وإراداتها، بل تمحّضت حظوظه وأغراضه وإرادته لله سبحانه وتعالى، فهو معرض عن حقوق نفسه؛ قائم بحقوق ربه.
قال العراقي: رواه الترمذي في «الشمائل» ؛ من حديث هند بن أبي هالة، وفيه: وكان لا تغضبه الدنيا وما كان منها، فإذا تعدّي الحقّ لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه؛ ولا ينتصر لها. وفيه راو لم يسمّ. انتهى؛ نقله شارح «الإحياء» .
(و) فيهما أيضا: (كان ينفّذ) - بالفاء المشددة والذال المعجمة- (الحقّ؛ وإن عاد ذلك بالضّرر عليه وعلى أصحابه) ، أشار به إلى قصّة أبي جندل بن سهيل بن عمرو، وهي عند البخاري في قصّة الحديبية، وذكرها في «الشروط» مطوّلة؛ كذا وجد بخطّ الحافظ ابن حجر في طرّة كتاب شيخه، وقد أغفله العراقي؛ قاله في «شرح الإحياء» .
(و) روى الطبراني في «الأوسط» - بإسنادين؛ رجال أحدهما رجال الصحيح- عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه؛ قال:
(كان) رسول الله (صلّى الله عليه وسلم إذا كره شيئا عرف) - رواية الطبراني: رؤي- (ذلك في وجهه) الشّريف، لأنّ وجهه؛ كالشمس والقمر، فإذا كره شيئا كسا وجهه ظلّ كالغيم على النّيّرين، فكان لغاية حيائه لا يصرّح بكراهته، لأنه لا يواجه أحدا بما يكره، بل إنما يعرف في وجهه.
وهذا الحديث أصله في «الصحيحين» ؛ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، ولفظه: كان أشدّ حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه. ذكره المناوي.