للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالت: ألست أراك تبكي؟ قال: «إنّي لست أبكي، إنّما هي رحمة، إنّ المؤمن بكلّ خير على كلّ حال، إنّ نفسه تنزع من بين جنبيه؛ وهو يحمد الله عزّ وجلّ» .

الشريعة. والصياح؛ وهو: رفع الصوت بالبكاء حرام، لكنّها لما رأت دمع عينيه ظنت حلّه؛ (فقالت: ألست أراك تبكي) ؟ فأنا تابعتك واقتديت بك، وظنّي جواز البكاء؛ وإن اقترن بنحو صياح!!

(قال: «إنّي لست أبكي) بكاء على سبيل الجزع وعدم الصبر كبكائك، ولا يصدر عني ما نهى الله عنه من الويل والثبور والصياح وغير ذلك، بل بكائي دمع العين فقط (إنّما هي) ؛ أي: الدمعة التي رأيتها (رحمة» ) ؛ أي أثر رحمة جعلها الله تعالى في قلبي.

ولا ينافي هذا قول عائشة رضي الله تعالى عنها (ما بكى رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ميت قطّ وإنّما غاية حزنه أن يمسك لحيته) لأنّ مرادها ما بكى على ميت أسفا عليه بل رحمة له.

ويؤيّده ما ورد: «إنّ العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلّا ما يرضي الرّبّ، وإنّا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون» ؛ قاله ملا علي قاري في «جمع الوسائل» رحمه الله.

ثمّ إنّه صلّى الله عليه وسلم بيّن وجه كونها رحمة؛ فقال: (إنّ المؤمن) - الكامل ملتبس- (بكلّ خير على كلّ حال) - من نعمة أو بلية، لأنه يحمد ربّه على كلّ منهما، أما النعمة! فظاهر، وأما البلية! فلأنه يرى أنّ المحنة عين المنحة لما يترتّب عليها من الثواب، كما قال: - (إنّ نفسه) - أي: روحه- (تنزع) - بصيغة المفعول؛ أي: تقبض- (من بين جنبيه؛ وهو) - أي والحال أنه- (يحمد الله عزّ وجلّ) ، فلا تشغله تلك الحالة من الحمد.

قال في «جمع الوسائل» : والمعنى ينبغي أن يكون المؤمن الكامل ملابسا بكلّ خير على كلّ حال من أحواله، حتّى أنه في نزع روحه يحمد الله تعالى، ويراه من الله سبحانه رحمة له وكرامة، وخيرا له من حياته، فإن الموت تحفة المؤمن وهدية الموقن. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>