للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.........

وفي رواية البخاريّ، ومسلم، و «أصحاب السنن» ؛ من طريق مالك عن الزهري عن أنس رضي الله عنه: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر.

ويجمع بينهما بأنّ العمامة السوداء كانت فوق المغفر، أو تحته وقاية من صدأ الحديد، فأراد أنس بذكر المغفر كونه دخل متأهبا للقتال، وأراد جابر بذكر العمامة كونه دخل غير محرم.

وجمع بينهما القاضي عياض بأنّ أوّل دخوله كان على رأسه المغفر، ثمّ بعد ذلك كان على رأسه العمامة بعد إزالة المغفر، بدليل قوله في حديث عمرو بن حريث رضي الله تعالى عنه- كما في مسلم، و «السنن» ، و «الشمائل» -: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء. زاد مسلم: قد أرخى طرفها بين كتفيه؛ لأنّ الخطبة إنّما كانت عند باب الكعبة بعد تمام فتح مكة،

قال الوليّ العراقيّ: وهو أولى وأظهر في الجمع من الأوّل، وتعقّبه بعضهم:

بأنّ الصواب الجمع الأول.

قال النووي: وفي الحديث جواز لبس الأسود في الخطبة، وإن كان الأبيض أفضل منه. انتهى. وصحة لبس المصطفى للسواد، ونزول الملائكة يوم بدر بعمائم صفر لا يعارض عموم الخبر الصحيح الآمر بالبياض؛ لأنّه لمقاصد اقتضاها خصوص المقام؛ فقد قال العلماء: إنّ الحكمة في إيثار الأسود يوم الفتح على البياض الممدوح: الإشارة إلى ما منحه الله تعالى به ذلك اليوم من السّؤدد الذي لم يتّفق لأحد من الأنبياء قبله، وإلى سؤدد الإسلام وأهله، وإلى أنّ الدين المحمديّ لا يتبدل؛ لأنّ السواد أبعد تبدّلا من غيره.

وقد لبس السواد جماعة منهم عليّ يوم قتل عثمان وغيره، والحسن فقد كان يخطب في ثياب سود، وعمامة سوداء، وابن الزبير كان يخطب بعمامة سوداء، وأنس، وعبد الله بن جرير، وعمّار كان يخطب كل جمعة بالكوفة؛ وهو أميرها

<<  <  ج: ص:  >  >>