ثمّ رأيته يلعق أصابعه الثّلاث قبل أن يمسحها؛ الوسطى، ثمّ الّتي تليها، ثمّ الإبهام.
فقال: جاء في تفسير جدّك ابن عباس في قوله تعالى. وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ [٧٠/ الإسراء] : جعلنا لهم أصابع يأكلون بها. فأحضرت الملاعق فردّها وأكل بأصابعه.
وكذلك وقع من بعض الصالحين القريبين من عصرنا؛ فإنّه لمّا عرضت عليه الملاعق حين دخوله مصر؛ وكان أهل مصر إذ ذاك قد دخلت عندهم الحضارة الغربية ردّها؛ ولم يأكل بها، وأنشد قول ابن مالك في «الألفيّة» :
فما لنا إلّا اتّباع أحمدا
وبعضهم أنشد قوله:
وفي اختيار لا يجيء المنفصل ... إذا تأتّى أن يجيء المتّصل
وهو ظريف جدا.
فيستحب الأكل بالثّلاث فقط؛ إن كفت، وإلّا زاد بقدر الحاجة، لقول عامر بن ربيعة: كان صلّى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع، ويستعين بالرابعة. أخرجه الطبرانيّ في «الكبير» .
قال ابن العربي: إن شاء أحد أن يأكل بخمس فليأكل، فقد كان صلّى الله عليه وسلّم يتعرّق العظم، وينهش اللحم، ولا يمكن عادة إلّا بالخمس.
قال الحافظ العراقيّ: وفيه نظر، لأنّه يمكن بالثلاث، سلّمنا، لكنه ممسك بكلّها، لا آكل بها، فسلمنا، لكنّ المحلّ محلّ ضرورة لا يدل على عموم الأحوال، فهو كمن لا يمين له؛ يأكل بشماله.
(ثمّ رأيته يلعق أصابعه الثّلاث) المذكورة (قبل أن يمسحها؛) محافظة على بركة الطّعام، فيستحبّ ذلك، كما يستحبّ الاقتصار على الأكل بالثلاث.
ثم بيّن كيفية لعقه؛ فقال:(الوسطى) أي: يلعق أصبعه الوسطى، (ثمّ) يلعق الأصبع (الّتي تليها) وهي: السّبابة، (ثمّ) يلعق (الإبهام) .