وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا رفعت مائدته.. قال: «الحمد لله حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه، الحمد لله الّذي كفانا وآوانا، غير مكفيّ
ونبّه بهذا الحديث ونحوه على أنّ الحمد كما يشرع عند ابتداء الأمور يشرع عند اختتامها، ويشهد له قوله تعالى وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠)[يونس] ، وقوله وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
(٧٥)[الزمر] .
(وكان) رسول الله (صلى الله عليه وسلم إذا رفعت مائدته؛ قال) يحتمل أن يكون قال ذلك جهرا، وهو ظاهر سياق حديث أبي أمامة الآتي، ويحتمل أنّه أسرّ به، ولما رآه أبو أمامة يحرّك شفتيه سأله فعلّمه؛ ثمّ السّنّة للآكل ألايجهر بالحمد إذا فرغ من الطّعام قبل جلسائه؛ كيلا يكون منعا لهم.
( «الحمد لله) لذاته وصفاته وأفعاله الّتي من جملتها الإنعام بالإطعام؛ (حمدا) - مفعول مطلق للحمد- (كثيرا) - صفة المفعول المطلق- والكثرة، المراد منها: عدم النّهاية، إذ لا نهاية لحمده تعالى كما لا نهاية لنعمه-.
(طيّبا) خالصا من الرّياء والسّمعة والأوصاف الّتي لا تليق بجنابه، تقدّس؛ لأنّه طيّب لا يقبل إلّا طيّبا، أو خالصا عن أن يرى الحامد أنّه قضى حقّ نعمته.
(مباركا) بفتح الرّاء (فيه) ؛ أي في الحمد، وهو مفعول أقيم مقام فاعل «مبارك» أي: ما وقع فيه البركة واليمن والزّيادة والثّبات.
والمعنى: حمدا ذا بركة دائما لا ينقطع؛ لأنّ نعمه تعالى لا تنقطع، فينبغي أن يكون حمدنا غير منقطع أيضا، ولو نيّة وقصدا.
(الحمد لله الّذي كفانا وآوانا غير) - بالنّصب- حال من الاسم الكريم، والرّفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هو غير (مكفيّ) - بفتح الميم وسكون الكاف وشدّ التّحتيّة- أي: غير مردود ولا مقلوب.
والضّمير راجع للطّعام الدّال عليه السّياق، أو هو من الكفاية، فيكون من المعتلّ، يعني: أنّه تعالى هو المطعم لعباده، والكافي لهم، أي: أنّه تعالى غير