وهذا يؤيّد الجواز بلا كراهة، وقد صحّ:«عليكم بسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضّوا عليها بالنّواجذ» ، و «واقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر وعمر» !!.
قال صاحب «المفهم» : لم يذهب أحد إلى أنّ النّهي في الحديث للتّحريم، ولا التفات لابن حزم! وإنّما حمل على الكراهة؛ والجمهور على عدمها، فمن السّلف الخلفاء الأربعة، ثمّ مالك؛ تمسّكا بشربه [صلى الله عليه وسلم] من زمزم قائما، وكأنّهم رأوه متأخّرا عن النّهي، فإنّه في حجّة الوداع؛ فهو ناسخ، وحقّق ذلك فعل خلفائه بخلاف النّهي، ويبعد خفاؤه عليهم مع شدّة ملازمتهم له وتشدّدهم في الدّين.
وهذا؛ وإن لم يصلح دليلا للنّسخ يصلح لترجيح أحد الحديثين!! انتهى.
وأجاب المالكية عن حديث أبي هريرة:«لا يشربنّ أحدكم قائما، فمن نسي فليستقىء» بأجوبة منها: قول المازري: قال بعض شيوخنا: «لعلّ النّهي ينصرف لمن أتى أصحابه بماء، فبادر لشربه قائما» !! قال: وأيضا فالأمر بالاستقاء لا خلاف بين أهل العلم أنّه ليس على أحد أن يستقيء، قال: والأظهر لي أن أحاديث شربه قائما تدلّ على الجواز، وأحاديث النّهي تحمل على الاستحباب، والحثّ على ما هو أولى وأكمل؛ لأنّ في الشّرب قائما ضررا ما، فكره من أجله.
وفعله صلّى الله عليه وسلم!! لأمنه من الضّرر الحاصل لغيره، قال: وعلى هذا الثّاني يحمل قوله: «فمن نسي فليستقىء» على أنّ ذلك يحرّك خلطا يكون القيء دواءه، وعليه فالنّهي طبّي إرشاديّ.
ويؤيّده قول إبراهيم النّخعي:«إنّما نهى عن ذلك لداء البطن» !. انتهى كلام المازري.
قال ابن القيّم: وللشّرب قائما آفات عديدة؛
منها: أنّه ينزل بسرعة إلى المعدة؛ فيخشى منه أن يبرّد حرارتها.
ومنها: أنّه يسرع النّفوذ إلى أسافل البدن بغير تدريج؛ لعدم استقراره في المعدة، وكلّ هذا يضرّ بالشّارب قائما، فإذا فعله نادرا لم يضرّه، وكذا لحاجة!