للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرأت في أحد وسبعين كتابا، فوجدت في جميعها: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أرجح النّاس عقلا، وأفضلهم رأيا.

(قرأت في أحد وسبعين كتابا) من الكتب القديمة؛ إذ كان خبرها- وفي «معارف» ابن قتيبة: قرأت من كتب الله اثنين وسبعين كتابا- (فوجدت في جميعها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم أرجح النّاس) - أي: الخلق- (عقلا) يعني: أنّ عقله أزيد من عقول الناس جميعا.

وقد اختلف في ماهيّة العقل اختلافا طويلا يطول استقصاؤه، والحقّ أنّه نور روحانيّ به تدرك النّفوس العلوم الضرورية والنظرية.

وابتداء وجوده؛ عند اجتنان الولد في بطن أمّه، ثم لا زال ينمو إلى أن يكمل عند البلوغ.

ومحلّه: القلب عند جمهور أهل الشرع؛ كالأئمة الثلاثة؛ لقوله تعالى لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها [١٧٩/ الأعراف] ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ [٣٧/ ق] وقوله صلّى الله عليه وسلم: «ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت؛ صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت؛ فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب» والدّماغ تابع له؛ إذ هو من جملة الجسد.

وقال عليّ: العقل في القلب، والرحمة في الكبد، والرأفة في الطحال، والنّفس في الرئة. رواه البخاري في «الأدب المفرد» ، والبيهقي بسند جيد.

وذهب الحنفية وابن الماجشون وأكثر الفلاسفة: إلى أنّه في الدّماغ؛ لأنه إذا فسد فسد العقل. وأجيب: بأنّ الله أجرى العادة بفساده عند فساد الدماغ؛ مع أنّه ليس فيه! ولا امتناع في هذا. انتهى من شرح الزرقاني على «المواهب» .

(وأفضلهم رأيا) ؛ أي: تدبيرا ناشئا من العقل الكامل الذي ينظر في بدء الأمر ودبره، وأوّله وآخره.

وقد كان صلّى الله عليه وسلم من كمال العقل في الغاية القصوى التي لم يبلغها بشر سواه، ولهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>