وفي رواية أخرى: فوجدت في جميعها: أنّ الله تعالى لم يعط جميع النّاس من بدء الدّنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله صلّى الله عليه وسلّم إلّا كحبّة رمل من بين رمال الدّنيا) .
كانت معارفه عظيمة، وخصائصه جسيمة؛ حارت العقول في بعض فيض ما أفاضه من غيبه لديه، وكلّت الأفكار في معرفة بعض ما أطلعه الله عليه، وكيف لا يعطى ذلك؛ وقد امتلأ قلبه وباطنه وفاض على جسده المكرّم ما وهبه الله من أسرار إلهيته، ومعرفة ربوبيّته، وتحقّق عبوديته!!. قاله الزرقاني على «المواهب» .
وهذا الذي قاله وهب «من أنّه صلّى الله عليه وسلم منوّه بذكره في الكتب القديمة» يعضده قوله تعالى النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ [١٥٧/ الأعراف] .
(وفي رواية أخرى) ؛ عن وهب أيضا:(فوجدت في جميعها) ؛ أي: في جميع الكتب التي قرأها (أنّ الله تعالى لم يعط جميع النّاس من بدء الدّنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله صلّى الله عليه وسلم إلّا كحبّة رمل من بين رمال الدّنيا) . رواه أبو نعيم في «الحلية» ، وابن عساكر. يعني: أنّ عقله صلّى الله عليه وسلم كجميع رمال الدنيا، وعقل جميع الناس كحبّة منها. وهذا على طريق التمثيل؛ لأن عقولهم لا تقاس بعقله صلّى الله عليه وسلم، كما ضرب الخضر لموسى عليهما الصلاة والسلام مثلا بماء في منقار عصفور من ماء البحر بالنسبة لسائره؛ فشبّه به علم الله تعالى وعلم ما عداه.
وقد أورد على كونه أفضل الناس رأيا: أنّه ورد ما يخالفه في كثير من الوقائع الثابتة في الحديث، ورجوعه عن رأيه إلى رأي غيره؛
كما في قصة بدر ورجوعه إلى رأي الحباب بن المنذر؛ حيث نزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلم بأدنى ماء من مياه بدر، فقال له الحباب: أهذا منزل أنزلكه الله؛ فلا تتقدّم ولا تتأخّر عنه، أو هو الرأي والمكيدة؟! فقال:«بل هو الرّأي والمكيدة» ، فقال: ليس هذا بمنزل؛ بل الرأي أن نسير حتى نأتي أدنى ماء من مياه بدر،