فننزل، ثمّ نغوّر ما وراءه، ونبني عليه حوضا ونملؤه، ثم نقاتل؛ ونشرب ولا يشربون. فقال:«أشرت بالرّأي» ورجع صلّى الله عليه وسلم لما قاله؛
وكذا في قصة أسارى بدر والفداء، وكذا في قصة تأبير النخل، ونحوه مما لا حاجة للتطويل بذكره هنا!
وأجاب التجاني: بأنّ رجحان رأيه على من سواه مخصوص بما أمضاه من سنن الشرع؛ واجتهاداته في أمور الدين، فلا ينافي رجوعه في آراء الدنيا لغيره؛ كما صرّح به في قصة التأبير، إذ قال:«إنّما أنا بشر مثلكم؛ فإذا أمرتكم بشيء من دينكم؛ فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنّما أنا بشر أخطىء وأصيب» وهذا نصّ فيما ذكر.
وردّ بأنّ مختار أهل الأصول: أنّه صلّى الله عليه وسلم كان متعبّدا فيما لا وحي فيه بانتظار الوحي، ثم بالاجتهاد بعد وقت الانتظار. وقيل: له الاجتهاد مطلقا في الأمور الشرعية والدنيوية. وهذا مذهب مالك وأحمد والشافعي، وهو المنقول عن أبي يوسف وغيره.
واختلف في جواز خطئه في اجتهاده؛ فذهب الإمام الرازيّ وغيره إلى أنّه لا يجوز. وفي «التوضيح» : يجوز؛ لكن لا يقرّر عليه. وعدم الإقرار بالإجماع؛ لوجوب اتّباعه المقتضي لعصمته، وجواز الخطأ عقلا لا مانع منه؛ بمقتضى البشرية. وقوّة عقله صلّى الله عليه وسلم وكمال حدسه وسداد رأيه لا ينافيه؛ لأنه من لوازم الطبيعة البشرية، وإذا جاز سهوه في صلاته ومناجاته؛ ففي غيرها بالأولى! فقول التجاني «إنّ جميع أموره الدينية صواب» خلاف المختار عند علماء الأصول.
وحينئذ فمعنى كونه أفضل الناس رأيا واجتهادا مع جواز الخطأ أحيانا:
أنّ رأيه لو خلّي ونفسه؛ أصاب، مع رجحان رأيه بعدم التقرير عليه إذا خالف الأولى. وآراؤه صلّى الله عليه وسلم كلّها صواب بعد التقرير عليها، وقبله لا. إلا على قول من يقول:«كل مجتهد مصيب» .