وهل يجوز الكذب في جدٍّ أو هزل؟ فقلتُ: يا أمير المؤمنين، ما دار في نفسي إلا ما قلت. فأطرق مليّاً ثم قال: وَيْحَكَن اسمع مني ما أقول، فوالله لتسمعنَّ الحقَّ. فسُرِّي عني وقلت: يا سيدي ومن أولى بقول الحقِّ منك وأنت خليفة ربِّ العالمين وابن عمِّ سيد المرسلين من الأولين والآخرين.؟ فقال لي: مازلت أقول: إن القرآن مخلوق صدراً من خلافة الواثق حتى أَقدم علينا أحمد بن أبي دًؤاد شيخاً من أهل " آذنة " فأدخل الشيخ على الواثق مقيَّداً، وهو جميل الوجه، تامُّ القامة، حسنُ الشيَّبة. فرأيت الواثق قد استَحيا منه ورقَّ له. فما زال يُدينه ويقرِّبه حتى قرُب منه. فسلَّم الشيخ فأحسن السلام. ودعا فأَبلغ وأَوجز. فقال له الواثق: اجلس، ثم قال له: يا شيخ ناظر ابن أبي دُؤاد على ما يُناظرك عليه. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين ابن أبي دُؤاد يَقِلُّ ويصبو ويضعُف المناظرة. فغضب الواثق، وعاد مكان الرقَّة له غضباً عليه. فقال: أبو عبد الله بن أبي دُؤاد يقلُّ ويصبو ويضعف عن مناظرتك أنت؟ فقال الشيخ هوِّن عليك يا أمير المؤمنين ما بك وأْذَن لي في مناظرته. فقال الواثق: ما دعوتك إلا للمناظرة. فقال الشيخ: يا أحمد إلى مَ دعوت الناس ودعوتني إليه؟ قال: إلى أن تقول: إن القرآن مخلوق، لأن كل شيء دون الله مخلوق. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تحفظَ عليَّ وعليه ما يقول. قال: أَفعلُ. فقال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن مقالتك؛ هذه واجبةٌ داخلة في عقد الدِّين، فلا يكون الدِّين كاملاً حتى يُقال فيه ما قلت؟ قال: نعم. قال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله عز وجل إلى عباده هل سَتر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أمره الله عز وجل في دينه؟ قال: لا. قال الشيخ: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة إلى مقالتك هذه؟ فسكت فالتفت الشيخ إلى الواثق فقال: يا أمير المؤمنين واحدة. فقال الواثق: واحدة. فقال الشيخ: يا أحمد، فاخبرني عن الله عز وجل حين أنزل القرآن على رسوله فقال:) اليومَ أكملتُ لكم دينكم وأَتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً (أكان الله عز وجل الصادق في إكماله دينه أم أنت الصادقُ في نقصانه فلا يكون الدين كاملاً حتى يقال فيه بمقالتك هذه " فسكت ابن أبي دُؤاد. فقال الشيخ: أجب يا أحمد. فلم يُجبه. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين اثنتان. فقال الواثق: اثنتان. فقال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه: عَلِمها رسول الله صلى الله عليه وسلم