للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي طالب، وممَّا صنع الله تعالى له، وأراد به من الخير أن قريشا قد أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمِّه، وكان من أيسر بني هاشم: " يا عباس إنَّ أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة. فانطلق بنا إليه، فلنخفِّف من عياله، آخذ من بنيه رجلا، وتأخذ أنت رجلا، فنكفيهما عنه ".

قال العباس: نعم. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، فقالا له: إنا نريد أن نخفِّف عنك من عيالك، حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه. فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فضمَّه إليه، وأخذ العباس جعفرا فضمَّه إليه. فلم يزل عليٌّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبيا، فاتَّبعه علي، وآمن به وصدَّقه. ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه.

وذُكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام كان إذا حضرته الصلاة خرج إلى شعاب مكة، وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من عمه أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه، فيصلِّيان الصلوات فيها. فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء الله تعالى أن يمكثا.

ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما، وهما يصلِّيان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ابن أخي، ما هذا الدين الذي أراك تدين به؟ قال: " أي عمِّ، هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله، ودين أبينا إبراهيم ". أو كما قال صلى الله عليه وسلم: " بعثني الله به رسولا إلى العباد. وأنت أي عمِّ أحق من بذلت له النصيحة، ودعوته إلى الهدى، وأحق من أجابني إليه، وأعانني عليه "، أو كما قال. فقال أبو طالب: أي ابن أخي، إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه، ولكن والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت. وقال لعلي بن أبي طالب: أي بنيَّ، ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ فقال: يا أبت، آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدَّقته بما جاء به، وصليت معه لله تعالى،

<<  <  ج: ص:  >  >>