للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكانت وفاة الحسن بالمدينة في شهر ربيع الأول سنةَ تسع وأربعين، وهو يومئذ ابن سبع وأربعين سنة، ودفن بالبقيع إلى جنب أمه فاطمة رضي الله عنها وعن بنيها أجمعين. وصلى عليه سعيد بن العاصي والد عمرو الأشدق، وكان يومئذ أميرا على المدينة. قدَّمه الحسين للصلاة عليه، وقال: هي السَّنة، ولولا أنها سنة ما قدَّمتك.

وكان أوصى أن يُدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن تكون فتنة تُثير قتالا، فإن كانت فادفنوني بالبقيع. فلما جيء بسريره إلى المسجد منعهم مروان من الدخول وقال: والله لا، يُدفن أمير المؤمنين عثمان في البقيع وتدفنون الحسن مع رسول الله. وتنازعوا حتى دخلت بنو هاشم مع الحسين في السلاح وبنو أمية مع مروان كذلك فأصلح الناس، وأبو هريرة، بينهم. وقال أبو هريرة والله إن هذا لظلم، يُمنع الحسن أن يُدفن مع جدِّه. ثم ناشد الله الحسين وقال: يا أبا عبد الله أليس قد قال الحسن: ادفنوني بالبقيع إن كانت فتنة تثير قتالا؟ ولم يزل به حتى سكن غضبه ورضي، ودَفن الحسن بالبقيع، رضي الله عنهما.

ولما توفي الحسن عليه السلام أدخله قبره الحسين ومحمد ابن الحنفيَّة وعبيد الله ابن عباس. ثم وقف على قبره وقد اغرورقت عيناه فقال: " رحمة الله عليك أبا محمد. فلئن عزَّتْ حياتك لقد هدَّت وفاتك، ولنعم الروح روح تضمَّنه بدنك، ولنعم الجسد جسد تَضمَّنه كفنك، ولنعم الكفن كفن تضمَّنه لحدك. وكيف لا تكون كذلك وأنت حلف التُقى وجدُّك النبي المصطفى وأبوك عليِّ المُرْتضَى، وأمك فاطمة الزَّهراء، وعمُّك جعفر الطيار في جنة المأوى؟ غَذتْك أكفُّ الحقِّ، ورُبيت في حجْر الإسلام ورَضِعتَ ثدي الإيمان. فطِبتَ حياً وميتا. فلئن كانت الأنفُس غير طيِّبةٍ بفِراقك فإنها غير شاكةٍ أنه قد خير لك، وإنك وأخاك سيِّدا شباب أهل الجنة. فعليك السلام منا ".

وكان الحسن والحسين رضي الله عنهما من أجواد الإسلام، ولهما ولعبد الله جعفر ولعبيد الله بن عباس ولسعيد بن العاصي أخبار مأثورة عزيزة الوجود في المبِّرزينَ في الجود.

<<  <  ج: ص:  >  >>