وأقرأه كتاب يزيد وطلبه بالبيعة، فقال: مثلي لا يبايع سرا، فإذا كان في غد بايعت علانيَّة. فلما همَّ بالخروج قال مروان بن الحكم للوليد وكان حاضرا معه في مجلسه لتدبير أمر بيعة يزيد: يا لها من غلطة، ما رأيت لها مثيلا، تترك الأمر مُستقبِلا، وتُبطله مُستدبِرا؟ فقال له: فما ترى أنت؟ قال: تأخذوه بالبيعة. إن أبي ضَرَبتَ عنقَه. فسمعه الحسين. فسلَّ سيفه، وهمَّ أن يضرب مروان، ثم قال له: يا ابن الزرقاء، أمِثْلُكَ يأمُر بقتل مِثْلي؟ وكان الحسين قد دعا بمواليه، وأهل بيته فأقعدهم على الباب حين دخل وقال لهم: إن ارتفع صوتي فاقتحموا عليَّ الدار، وإلا فمكانكم حتى أخرج إليكم. وحين خرج الحسين عن الوليد ارتحل من ليلته إلى مكة. وقيل: إنه ارتحل نهارا.
وكان عبد الله بن الزبير كان قد خرج من أول هذه الليلة إلى مكَّة هاربا بعد ما اجتمع مع الحسين مخافة أن يؤخَذ بالبيعة ليزيد، وهرب معه أخوه جعفر ابن الزبير. ومضيا على طريق " الفرْع "، وهي طريق غير الجادة، خوفا من الطلب، فلم يُقدَر عليهما. فلما قدم الحسين مكة كتب إليه سليمان بن صُرد الخزاعيُّ والمُسَيَّب بن نَجَبَة الفزاريُّ وغيرهما من رجال أبيه وشيعته من الكوفة:" هلمَّ إلينا يا ابن رسول الله، فأنت أحقُّ بالخلافة من يزيد الخَمُور "، وكتبوا بيعتهم. فلما أراد الخروج من مكة جاءه عبد الله بن عمر فقال: إلى أين تسير يا أبا عبد الله؟ قال: هذه بيعة أهل العراق وكُتُبِهِم قد أتتني. قال: أتسير إلى قوم قتلوا أباك، وخذلوا أخاك، وكانت طاعتهم لهما أكثر ممَّا لك الآن؟ وجعل عبد الله يُثَبِّطه عن الخروج. فلما أبى عليه اعتنقه وقال: أستودعك الله من قتيل.
وبعث الحسين من مكة إلى الكوفة ابن عمِّه مسلم بن عقيل ليصحِّح بيعته بها، ويأخذ العهود له من أهلها. فقُتِل بعد خَطبِ "؟ " طويل. قتله عبيد الله بن