فاغْربي عنِّي، فوالله لا ألينُ لكِ فتَخْدَعيني، ولا أنقادُ لكِ فتَذُلِّيني. أتَغرّيني بأنْ أنام على القَباطِّي من اليَمن، وأتمرَّغ في مَفْروش مِن منقوش الأرمِنِ، وأغذو نفْساً حُلوَها ومُزَّها لِتسمَّن، إذَنْ أكونَ كإبلٍ ترْعى وتَبْعَرُ. والله لأُرُوضَنَّ، نفسي رياضة تهشُّ إلى قُوتها إذا عنه نفرت، وتقنع بمِلحها مأدوما إذا هي أفطرت، لعلَّها تنال نعيما، وملكا كبيرا جسيما والسلم ".
وعن أبي حمزة الثُماليِّ، عن عبد الرحمن بن جُندَب، عن كُميل بن زياد النَّخعيِّ قال: أخذ عليُّ بن أبي طالب بيدي، فأخرجني إلى ناحية الجبَّان، فلما أصحَر تنفَّس الصُّعداء ثم قال: " يا كُميل، إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها. يا كُميل احفظ عني ما أقول: الناس ثلاثة؛ عالم ربَّاني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رَعاع، لكلِّ ناعق أتباع يميلون مع كلِّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى رُكن وثيق. يا كُميل، العلم خير من المال. العلم يحرُسُك، وأنت تحرس المال. والمال تنقصه النَّفقة، والعلم يزكو على الإنفاق. يا كميل محبة العلم دين يُدان به يكسبه الطاعة في حياته وجميل الأُحدوثة بعد وفاته، ومنفعة المال تزول بزواله. والعلم حاكم والمال محكوم عليه. ياكُميل، مات خُزَّان المال والعلماء باقون ما بقي الدهر. أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة. ثم قال: ها إنَّ هاهُنا علما " وأشار إلى صدره " لو أصبت لها حملة، بلى أصبته لَقِنا غير مأمون. يستعمل آلة الدِّين في طلب الدُّنيا، ويَستظهر بحُجج الله على أوليائه، وبنِعَم الله على معاصيه، أو مُنقادا لِحمَلَة العلم، لا بصيرة له في أنحائه. يقدح الشك في قلبه بأول ناعق من شُبهة، ألا لا ذا ولا ذاك. فمن هو منهوم باللذات، سَلِس القيادة إلى الشهوات، ومغرم بالجمع والادِّخار. وليس من دعاة الدين أقرب شبها به الأنعام، كذلك يموت العلم بموت حامليه ".
ثم قال: " اللهمَّ لا تخلو الأرض من قائم بحجَّة إمَّا ظاهرا مستورا، وإمَّا خافيا مغمورا، لئلا تَبطُل حجج الله وميثاقه. وكم وأين أولئك الأقلَّون عددا،