والأعظمون قدرا، بهم يحفظ الله حججه التي يودعها في أشباههم، هجم بهم العلم على حقائق الأمور، فباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعر المترَفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان، أرواحها معلَّقة بالمحلِّ الأعلى. يا كميل، أولئك خلفاء الله في أرضه، والدُّعاة إلى دينه. هاه هاه شوقا إليهم وإلى رؤيتهم، وأستغفر الله لنا ولهم ".
وعن شَريك بن عبد الله بن أبي نَمِر، عن سعيد بن المسيَّب، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: " إنَّ من حقِّ العالِم أن لا تُكثر عليه السؤال، ولا تُعَنِّته في الجواب، ولا تلحّض عليه إذا كَسَل، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تُشير إليه بيدك، ولا تُفشي له سِرّا، ولا تَغتابَنَّ عنده أحدا، ولا تَطلُبَنَّ عَثرتَه، فإن زلَّ انتظرتَ أوبَتَه، وقبلتَ معذِرته، وأن تُوقِّره، وتُعظِّمه لله، ولا تمشي أمامه، وإن كانت له حاجة سَبَقْتَ القوم إلى خدمته. ولا تَتَبَرَّمنَّ من طول صُحبته. فإنما هو بمنزلة النَّخلَة، تنتظر ما سقط عليك منها منفعة. وإذا جئت فسلِّم على القوم، وخصه بالتحية، واحفظه شاهدا وغائبا. وليكن ذلك كله لله، فإن العالِم أعظم أجرا من الصائم القائم المجاهد في سبيل الله تعالى. وإذا مات العالِم انثلمت في الإسلام ثلمة إلى يوم القيامة، لا يسدُّها إلا خَلَفٌ مثله. وطالب العلم تُشيِّعه الملائكة من السماء ".
وقال رضي الله عنه: " رحِم الله عبدا سمِع فوَعَى، ودُعي إلى الرشد فدنا، وأخذ بحُجزة هُدى فنجا، وراقب ربَّه، وخاف ذنبه، وقدَّم خالصا، وعمل صالحا، واكتسب مذخورا، واجتنب محضورا، وكابر هواه، وكذب مُناه، وحذِر أجلا، ودأب عَمَلا. وجعل الصبر رغبة حياته، والتُّقى جنَّة وفاته ".
وقال لرجال من أصحابه: " كيف أنتم؟ قالوا: نرجو ونخاف. قال علي: من رجا شيئا طلبه، ومن خاف شيئا هرب منه. وما أدري ما خوف رجل عرضت له شهوة فلم يتركها لما يخاف، وما أدرى ما رجلٍ نزل به بلاء فلم يصبر عليه لما يرجو ".