وأبتلي في جسمه أحوالا. ولم يضيع الله أجر من أحسن عملا ".
ثم مضى فإذا أقبر، فجاء حتى وقف عليها، فقال: " السلام عليكم أهل الدِّيار الموحشة، والمحالِّ المقفرة. أنتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، وبكم عمَّا قليل لاحقون. اللهمَّ اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم طوبي لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي عن الله تعالى ".
ثم قال: " يا أهل القبور، أما الأزواج فقد نكحت، وأما الدار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت. فهذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ ".
ثم التفتَّ إلى أصحابه فقال: " أما انهم، تكلموا لقالوا: وجدنا خير الزاد التَّقوى ".
وقال الزبير بن بكار: أوصى عليٌّ رضي الله عنه، أبنه الحسن فقال: " يا بُنيَّ أوصيك بتقوى الله تعالى في الغيب والشهادة وكلمه الحق في الرِّضى والغضب، والقصد في الغني والفقر والعدل على الصديق والعدوِّ، والعمل في النشاط والكسل، والرضى عن الله عزَّ وجلَّ في شدَّة والرَّخاء. يا بنيَّ مباشر بعدة الجنة بشرٍّ، ولا خير بعده النار بخير. وكلُّ نعيم دون الجنة حقير. وكلُّ بلاء دون الله عافية. اعلم يا بُنيَّ إنَّ من ابصر عيب نفسه شُغل عن عيب غيره. ومن رضي بقسم الله تعالى لم يحزن على ما فاته. ومن سلَّ سيف بغي قُتل به. ومن حفر لأخيه بئرا وقع فيها. ومن هتك حجاب أخيه انكشفت عورات بيته. ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره. ومن أعجب برأيه ضلَّ. ومن استغنى بعقله زلَّ. ومن تكبَّر على الناس ذلُّ. ومن خالط الأنذال احتقر. ومن دخل مداخل السوء أتهمُّ. ومن جالس العلماء وقِّر. ومن مزح استخفَّ به. ومن أكثر شيئا عرف به. ومن كثر كلامه كثر خطؤه، وقل حياؤه ومن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه ومن قلَّ ورعه مات قلبه. ومن مات قلبه دخل النار. يا بُنيَّ العافية عشرة أجزاء؛ تسع منها في الصَّمت، إلا عن ذكر الله عزَّ وجلَّ، وواحدة في ترك مجالسة السُّفهاء. يا بُنيَّ زينة الفقر الصَّبر، وزينة الغنى الشكر. يا بُنيَّ لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم اعزُّ من التقوى، ولا أنجح من التَّوبة. ولا لباس أجمل من العافية. والحرص مفتاح المقت، ومطيَّة للنَّصب. التدبُّر قبل