وأقتل من فيه ثم هذا وأقتل من فيه. وكان أناس من الجرحى قد لجؤوا إلى عائشة فأخبر عليٌّ بمكانهم عندها، فتغافل عنهم، فسكت فخرج علي فقال له رجل من الأزد: والله لا تُفلِتُنا هذه الرأة. فغضب وقال: صه لاتهتكنَّ سترا، ولا تدخلنَّ دارا، ولا تهيجنَّ امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم، وسفَّهن أمراءكم فإنهنَّ ضعاف. ولقد كنا نُؤمر بالكفِّ عنهنَّ، وإنهنَّ لمشركات، وإنَّ الرجل ليكافئ المرأة ويتناولها بالضَّرب فيغيَّرُ بها عقبة من بعده. فلا يَبْلغني عن أحد عَرَضَ لا مرأة فأُنكِّلَ به شَرار الناس.
وجهَّز عليٌّ عائشة رضي الله عنها بكل شيء ينبغي لها من مركب أو زاد أو متاع، وأخرج معها كلَّ من نجا ممَّن خرج معها إلا من أحب المُفام. واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وقال: تجهَّزْ يامحمد فبلِّغْها. فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه جاءها حتى وقف لها، وحضر الناس، فخرجت على الناس، فودَّعوها وودّعتهم وقالت: يابنيَّ، يَعتُبُ بعضنا على بعض استبطاء وزيادة، فلا يَعْتدن أحد منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك، أنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وأنه عندي على مَعْتِبتي لَمِنَ الأخيار.
وقال علي: يأيُّها الناس، صدقت وبرَّت، ما كان بيني وبينها إلا ذاك. وإنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة.
وخرجت يوم السبت غُرة رجب سنة ستٍّ وثلاثين، وشيَّعها عليٌّ أميلا، وسرَّح بنيه معها يوما. وعن جرير بن حازم قال: سمعت أبا يزيد المدنيَّ يقول: قال عمار بن ياسر لعائشة حين فرغ القوم من أمر الجمل: يا أمَّ المؤمنين، ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عُهد إليك! قالت: أبا اليقظان؟ قال: نعم. قالت: والله إنك ما علمت لقوال بالحقِّ. قال: الحمد لله الذي قضى لي على لسانِكِ.
وروى إسماعيل بن عُلية عن أبي سُفيان بن العلاء، عن ابن عتيق قال: قالت عائشة: إذا مرَّ ابن عمر فأرونيهِ. فلما مرَّ ابن عمر قالوا: هذا ابن عمر. فقالت: يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تَنهاني عن مَسيري؟ قال: رأيت رجلا غلب