نفسه وفي الناس من النقص في أمر الدين، فلا بأس عليه. فلا يجوز لأحد أن يبالغ في تهويل ما آل إليه الناس، حتى ولو كان بدافع الموعظة؛ لأنَّ هذا يفتُّ في الأعضاد، ويشيع اليأس والإحباط، بل عليه أن يكون متزناً، معتدلاً فيما يقول، فإنَّ في المجتمع خيراً كثيراً، وقربات، وصلوات، وعبادات، وأمورًا صالحات، بحمد الله، وإن وقع منكرات وفساد.
قوله:«فإنَّ من ورائكم أياماً، الصابر فيهنَّ مثل القابض على الجمر» أي قدامكم، وأمامكم أيام شدة وابتلاء، لا حيلة لكم فيها إلا الصبر، يعاني الصابر فيها من المشقة ما يعاني قابض الجمر.
قوله:«للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً، يعملون مثل عملكم» أي: المتمسك بالسنة المحضة يثاب على عمله ثواب عمل خمسين من الصحابة المخاطبين، لكن الفضل الجزئي لا ينافي الفضل الكلي.
ومن الناس يبالغ في تصوير ما يلقى، فحين يندب للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، يقول: حاولنا، وفعلنا، وعجزنا! وكأنَّما هو نوح-﵇ إذ يقول: ﴿رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً﴾ [نوح: ٥ - ٦]، وهو لم يلق في ذات الله شيئاً يذكر، فعلى الإنسان أن يتقي الله ﷿، وإذا أمكنه أن يأمر وينهى فليفعل.
قوله:«إنَّكم اليوم على بينة من ربكم، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتجاهدون في الله» هذا كان حال الرعيل الأول من هذه الأمة، فكانوا على هذه الصفة من إقامة الدين، قال الله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: ١١٠]، فتحقق هذا في صدر هذه الأمة.
قوله:«ولم يظهر فيكم السكرتان: سكرة الجهل، وسكرة حب العيش» أي: الشهوات والشبهات، فالشبهات بسبب الجهل، والشهوات بسبب حب العيش. وسماهما سكرة لأنهما تغشيان العقل والقلب، فتطمس البصيرة. قال تعالى: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر: ٧٢].
قوله: «وستحولون عن ذلك، فلا تأمرون بالمعروف، ولا تنهون عن