للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا فسد الناس» (١). ورواه أحمد: من حديث سعد بن أبي وقاص وفيه: «فطوبى يومئذٍ للغرباء، إذا فسد الناس» (٢). وللترمذي: من حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده، أنَّه قال: «فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي» (٣).

[الشرح]

عقد المصنف هذا الباب ليشد من أزر المتمسكين بالكتاب والسنة؛ فلا يشعروا بالاستيحاش من قلة السالك. والغربة تشمل:

- الغربة الحسية: لقلة العدد، كالسابقين إلى الإسلام في مكة، أو كحال بعض الأقليات المسلمة في بلاد الكفر.

- الغربة المعنوية: باستنكار الدين الصحيح، مع كثرة المتسمين به، كالمتمسك بالسنة بين أهل البدع. قوله ﴿فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ [هود: ١١٦] قال ابن كثير : "فهلا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض. وَقَوْلُهُ: "إِلا قَلِيلا" أَيْ: قَدْ وُجِدَ مِنْهُمْ مَنْ هَذَا الضَّرْبِ قَلِيلٌ، لَمْ يَكُونُوا كَثِيرًا، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْجَاهُمُ اللَّهُ عِنْدَ حُلُولِ غِيَره، وَفَجْأَةِ نِقَمه. وَلِهَذَا أَمَرَ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةَ الشَّرِيفَةَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. وَفِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكِرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُم اللَّهُ بِعِقَابٍ" (٤)، فهذه الآية تفيد أنَّ الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، على مر القرون قلة، وأنَّ هذه القلة هم الناجون في كلِّ جيل وقبيل.

وقد ذكر الله تعالى قصة أصحاب السبت؛ وأنَّ طائفة انتهكت محارم الله، وأنَّ طائفة أنكرت عليهم ونهتهم، وأنَّ طائفة ثالثة سكتت، ثم ذكر الله نجاة


(١) أخرجه أحمد ط الرسالة برقم (١٦٦٩٠) وقال محققو المسند: "إسناده ضعيف جدا بهذه السياقة".
(٢) أخرجه أحمد ط الرسالة برقم (١٦٠٤) وقال محققو المسند: "إسناده جيد".
(٣) أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب الإيمان، باب ما جاء أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً برقم (٢٦٣٠) وقال الألباني: "ضعيف جداً"
(٤) تفسير ابن كثير ت سلامة (٤/ ٣٦٠ - ٣٦١).

<<  <   >  >>