للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الشرح]

قوله: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة» خابوا وخسروا! بئس من كان بغيضًا لله تعالى. والعدد لا يدل على الحصر، فربما يكون غيرهم مبغوض عند الله ﷿، بل ربما أشد بغضاً، كقوله «إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ» متفق عليه (١). والجمع بين ذلك أن يحمل كل مقال على مقام، فبغض الثلاثة المذكورين في حديث الباب، في مقام الأعمال، وبغض الألد الخصم، في مقام الخصومة ومعاملة الخلق.

وهذا الحديث يدل على إثبات صفة البغض لله ﷿، وهو حقٌّ يجب الإقرار به، فالله تعالى يحب، ويبغض، ويرضى ويسخط، ويغضب، ويفرح، كما أخبر عن نفسه في كتابه، وأخبر عنه نبيه في سنته والواجب على المؤمن أن يطيب نفساً، وأن يقرَّ عيناً بخبر الله وخبر رسوله، وأن يعتقد لله المثل الأعلى، فلا يتبادر إلى ذهنه معنىً فاسد، ولا يلتاث قلبه بلوثة التمثيل، بل يعتقد أن لله بغضاً حقيقياً يليق به سبحانه، لا تلزم عليه لوازم المحدثين. وقد أخبر الله عن نفسه أنَّه يمقت، فقال: ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الصف: ٣] وأخبر عن نفسه أنَّه يكره، فقال: ﴿وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ﴾ [التوبة: ٤٦]. فيبغض الله هؤلاء الثلاثة:

الأول: ملحدٌ في الحرم: والإلحاد في أصل وضعه في اللغة: الميل، فالمعنى: مائل عما يجب مراعاته من حقوق الحرم، وقد ذكر الله هذا في كتابه، فقال سبحانه: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥] وفسَّر بعضهم الظلم بالشرك، كما فسَّره ابن عباس (٢). وكان عبد الله بن عمرو له فسطاطان: أحدهما في الحلّ، والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحلّ، فسُئل عن ذلك، فقال: كنا نحدّث أن


(١) (أخرجه البخاري في باب قول الله: وهو ألد الخصام، برقم (٢٤٥٧)، وأخرجه مسلم في باب في الألد الخصم، برقم (٢٦٦٨)
(٢) تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (١٨/ ٦٠١).

<<  <   >  >>