للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الشرح]

هذا الأثر عن ابن مسعود حسَّنه ابن حجر (١)، وهو كلام حكيم، يوافق ما رواه الإمام البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك: «لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه» (٢).

قوله: "ليس عام إلا والذي بعده شرٌّ منه" وبيَّن مراده بهذا الشر: أنَّه لا يتعلق بالأمطار، والخصب، والولايات، ولكنه يتعلق بأمر الدين المقترن، بفناء العلماء الربانيين.

قوله: "لكن ذهاب علمائكم وخياركم، ثم يحدث أقوام يقيسون الأمور بآرائهم، فيُهدم الإسلام ويُثلم" هذا ما وقع في مطاوي التاريخ، وهو ما أخبر به النبي بقوله: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» (٣)، فهذه هي الخسارة، وهي فقد العلماء، فإن فقد العلماء من الأرض كانطماس النجوم في السماء، فينتدب للفتيا، والتعليم، أناس جهَّال، فيَضلون ويُضلون.

وقد حرر الحافظ ابن حجر المسألة، فقال: (وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْإِطْلَاقُ، مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْأَزْمِنَةِ تَكُونُ فِي الشَّرِّ دُونَ الَّتِي قَبْلَهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ إِلَّا زَمَنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ بَعْدَ زَمَنِ الْحَجَّاجِ بِيَسِيرٍ، وَقَدِ اشْتَهَرَ الْخَبَرُ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بَلْ لَوْ قِيلَ إَنَّ الشَّرَّ اضْمَحَلَّ فِي زَمَانِهِ لَمَا كَانَ بَعِيدًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ شَرًّا مِنَ الزَّمَنِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَقَدْ حَمَلَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ، فَسُئِلَ عَنْ وُجُودِ عُمَرَ بْنِ


(١) فتح الباري (٢١/ ١٣).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الفتن، باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه برقم (٧٠٦٨).
(٣) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم برقم (١٠٠) ومسلم في كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه برقم (٢٦٧٣).

<<  <   >  >>