للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ الْحَجَّاجِ فَقَالَ: لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ تَنْفِيسٍ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّفْضِيلِ: تَفْضِيلُ مَجْمُوعِ الْعَصْرِ عَلَى مَجْمُوعِ الْعَصْرِ؛ فَإِنَّ عَصْرَ الْحَجَّاجِ كَانَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْأَحْيَاءِ، وَفِي عَصْرِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ انْقَرَضُوا، وَالزَّمَانُ الَّذِي فِيهِ الصَّحَابَةُ خَيْرٌ مِنَ الزَّمَانِ الَّذِي بَعْدَهُ، لِقَوْلِهِ : "خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي"، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَوْلُهُ: "أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. ثُمَّ وَجَدْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ التَّصْرِيحَ بِالْمُرَادِ، وَهُوَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ، فَأَخْرَجَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. لَسْتُ أَعْنِي رَخَاءً مِنَ الْعَيْشِ يُصِيبُهُ، وَلَا مَالًا يُفِيدُهُ، وَلَكِن لَا يَأْتِي عَلَيْكُم يَوْم الا وَهُوَ أَقَلُّ عِلْمًا مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي مَضَى قَبْلَهُ، فَإِذَا ذَهَبَ الْعُلَمَاءُ، اسْتَوَى النَّاسُ؛ فَلَا يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَهْلَكُونَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ بن مَسْعُودٍ، إِلَى قَوْلِهِ: شَرٌّ مِنْهُ قَالَ: فَأَصَابَتْنَا سَنَةٌ خِصْبٌ، فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ أَعْنِي، إِنَّمَا أَعْنِي ذَهَابَ الْعُلَمَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْهُ، قَالَ: لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا وَهُوَ أَشَرُّ مِمَّا كَانَ قَبْلَهُ، أَمَا إِنِّي لَا أَعْنِي أَمِيرًا خَيْرًا مِنْ أَمِيرٍ، وَلَا عَامًا خَيْرًا مِنْ عَامٍ، وَلَكِنْ عُلَمَاؤُكُمْ، وَفُقَهَاؤُكُمْ، يَذْهَبُونَ، ثُمَّ لَا تَجِدُونَ مِنْهُمْ خَلَفًا. وَيَجِيءُ قَوْمٌ يُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ، وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: وَمَا ذَاكَ بِكَثْرَةِ الْأَمْطَارِ وَقِلَّتِهَا، وَلَكِنْ بِذَهَابِ الْعُلَمَاءِ، ثُمَّ يُحْدِثُ قَوْمٌ يُفْتُونَ فِي الْأُمُورِ بِرَأْيِهِمْ، فَيَثْلِمُونَ الْإِسْلَامَ وَيَهْدِمُونَهُ) (١)

[فوائد الأثر]

١ - وجوب الحفاظ على أصل الدين، بحفظ العلم.


(١) (فتح الباري لابن حجر (١٣/ ٢١)

<<  <   >  >>