للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الشرح]

أراد المصنف بهذا الحديث بيان أن القلب هو محل نظر الله من العبد، وقد عبَّر بعضهم فقال: القلب بيت الرب في العبد (١)، كما أنَّ الكعبة بيت الرب في الأرض؛ لأنَّه مستودع العلم به، ومحل محبته، وخشيته، ورجائه، دون سائر الجوارح، فينبغي أن تكون عناية الإنسان منصبَّةً على إصلاحه، وتصفيته، وتخليصه من الشوائب، والجواذب، بحيث يسلم لله رب العالمين، قال «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ» متفق عليه (٢). فلا يجول ويصول فيه سوى الخطرات الرحمانية الملائكية، من حب، وخوف، ورجاء، وشوق، وتوكل، وأُنس به سبحانه. هذا هو عمل القلب الحقيقي، وتلك وظيفته. فإذا كانت وظيفة العين: الإبصار، ووظيفة الأذن: السمع، ووظيفة اليد: المناولة، ووظيفة القدم: السعي، فإن وظيفة القلب المعنوية ليست مجرد ضخ الدم من الأذين إلى البطين، ومن البطين إلى الأوردة، فهذه وظيفتة العضوية، لكن وظيفته المعنوية هي: العلم بالله، ومحبته، وخشيته، ورجاؤه، والأنس به؛ فليكن محل نظر الله منك أشرف، وأنقى، وأصفى، ما فيك؛ لهذا قال في حديث حذيفة: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها، نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز، مجخياً لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه» (٣)،


(١) البحر المديد في تفسير القرآن المجيد (١/ ١٦٣).
(٢) (أخرجه البخاري في باب فضل من استبرأ لدينه، برقم: (٥٢)، وأخرجه مسلم في باب أخذ الحلال وترك الشبهات برقم: (١٥٩٩)
(٣) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، وأنه يأرز بين المسجدين برقم (١٤٤).

<<  <   >  >>