للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذين ينهون عن السوء، وذكر هلاك من سواهم، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٥]. فصار الهلاك يعم الفاعل والساكت. فعلى المؤمن الناصح لنفسه أن يقوم بما أوجب الله تعالى عليه، من إظهار السنة والأمر بها، والنهي عن البدعة، والتحذير منها.

قوله: «بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء» قد كان الإسلام رجلاً واحداً، هو رسول الله ، ثم صار اثنين، ثم ثلاثة، ثم أربعة، حتى أنَّ بعضهم كان يقول: أنا ربع الإسلام، أنا سدس الإسلام، وذلك في أوله، إلى أن بلغ الأمر ما وصف الله تعالى: ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً﴾ [النصر: ٢]. وأخبر النبي بأنَّ الله زوى له الأرض، فرأى مشارقها ومغاربها، وأخبر أنَّ ملك أمته سيبلغ ما زوي له منها (١)، فزالت الغربة الأولى وانقشعت، كما شرط الله، ووعد، ووفى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: ٥٥]. فأخبر من لا ينطق عن الهوى أنه سيعود غريباً كما بدأ؛ وأنَّ الدين يأرز بعد ذلك ما بين البلدتين، مكة والمدينة، إلى أن ينحسر، فيرسل الله الريح الطيبة، فتقبض أرواح المؤمنين، فلا يبقى على وجه الأرض مؤمن، وتقوم الساعة على قوم لا يقولون: الله الله، كما في الحديث: «ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة» (٢).

قوله: «النزَّاع من القبائل» نقل القاضي عياض عن الهروي قوله: (أراد بذلك المهاجرين الذين هجروا أوطانهم إلى الله، وسمى الغريب نازعاً ونزيعاً


(١) أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض برقم (٢٨٨٩).
(٢) أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه برقم (٢٩٣٧).

<<  <   >  >>