للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنه نزع عن أهله وعشيرته وبَعُدَ عن ذلك) (١). وهؤلاء أصحاب محمد ، فقد ساق الله تعالى إليه أبا بكر القرشي، وأبا ذر الغفاري، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وأمثالهم، وهم صفوة الخلق في ذلك الوقت؛ ليكونوا وزراءه، وأعوانه، فكانوا في بادئ الأمر قلّة غرباء.

قوله: «الذين يصلحون إذا فسد الناس» أي أنهم باقون على الصلاح في عقائدهم، وأعمالهم. قوله: «فطوبى يومئذٍ للغرباء، إذا فسد الناس» قال ابن الأثير: (طوبى: اسم الجنة، وقيل هي شجرة فيها. وأصلها "فعلى" من الطيب، فلما ضمت الطاء انقلبت الياء واوًا) (٢)

قوله: «طوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي» أي أن صلاحهم ليس قاصرًا على أنفسهم، بل هم صالحون في ذواتهم، مصلحون لغيرهم، فهم يحيون السنة الصحيحة، ويردون البدعة الحادثة. فلا يُعدُّ صالحاً من لا يتمعَّر وجهه غضباً لحرمات الله، ولا يُعدُّ صالحاً من يرى حرمات الله تُنتهك ثم لا يحرك ساكناً، بل لا بدَّ أن يسعى في تغيير المنكر حسب المراتب الشرعية، كما في حديث أبي سعيد قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» (٣). وهذه المراتب إنَّما تأتي بعد البيان، والدعوة؛ فإنَّه لا يكون منكراً في حقه وهو جاهل، كما أنَّ الذي يدعو إلى الله ﷿ ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يحتاج إلى ثلاثة شروط: شرط قبله، وشرط معه، وشرط بعده، فالشرط الذي قبله: العلم، والذي معه: الرفق، والذي بعده: الصبر، وإلا أفسد أكثر مما أصلح.


(١) (إكمال المعلم بفوائد مسلم (١/ ٤٥٦)
(٢) (النهاية في غريب الحديث: ٣/ ١٤١
(٣) (أخرجه مسلم في باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، برقم: (٤٩).

<<  <   >  >>