للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الملة والدين، والسنة: ما كان عليه النبي من قول، أو فعل، أو تقرير.

قوله: "فإنَّه ليس من عبد على سبيل وسنة، ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار" مراده أنَّ الإنسان إذا رُزق اتباع السبيل والسنة، فقليله كثير، وعمله مضاعف، ومن ذلك أنه إذا فاضت عيناه من خشية لله، حرم على النار، كما جاء في الحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : "عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللهِ" (١). بخلاف من التاث قلبه بالأهواء والبدع، فإنَّه لا يبلغ ما يبلغ المؤمن من الفضائل. فهذا الأثر مناسب لباب فضل الإسلام.

قوله: "وليس من عبد على سبيل وسنة، ذكر الرحمن فاقشعر جلده من مخافة الله، إلا كان مثله كمثل شجرة يبس ورقها، فبينما هي كذلك إذ أصابتها الريح، فتحاتَّ عنها ورقها، إلا تحاتت عنه ذنوبه كما تحات عن هذه الشجرة ورقها" هذا تمثيل بديع. قال تعالى في صفة المؤمنين: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [الزمر: ٢٣]. فهذه القشعريرة الإيمانية ناشئة عن علم بالله، وحسن ظن بالله، باعتقاد المثل الأعلى له، عند ذكر الله، خشيةً له وإجلالًا.

قوله: "وإنَّ اقتصاداً في سنة، خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة" أي أنَّ العمل القليل الموافق للسنة، خير من العمل الكثير المؤسس على بدعة. وهذا واقع مشاهد؛ فتجد بعض أهل الأهواء والبدع ينفقون أموالاً طائلة، ويبذلون جهوداً كبيرة، في أمور ما أنزل الله بها من سلطان، لا تزيدهم من الله إلا بعداً. وتجد المؤمن المتَّبِع للسنة، المستنير بنور الله، يعمل العمل القليل، فيثاب عليه ثواباً عظيماً، فهذا يدل على فضل الإسلام، والاعتصام بالسنة. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ١١٥]


(١) (أخرجه الترمذي برقم: ١٦٣٩) وصححه الألباني في صَحِيح الْجَامِع: (٤١١٣) وصَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: (٣٣٢٢)

<<  <   >  >>