قوله:«ليأتينَّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل» إذا تعدى "أتى" ب "على" أشعر بمعنى الهلكة، كقوله تعالى: ﴿مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ [الذاريات: ٤٢]. والمراد بالأمة هنا: أمة الدعوة. وبنو إسرائيل: لقب يشمل اليهود والنصارى.
قوله:«حذو النعل بالنعل» قال ابن الأثير: (أَيْ تَعْمَلون مِثْلَ أعمالِهم كَمَا تُقْطَع إحدَى النَّعلَين عَلَى قَدْر النَّعل الْأُخْرَى. والحَذْوُ: التَّقدِير والقَطْع)(١)، ومثله ما تقدم:(شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ)، وقوله:(حَذْوَ القُذَّة بالقُذَّة) وهي ريشة السهم، يُضرب مَثَلًا للشَّيئين المتماثلين.
«حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية، كان في أمتي من يصنع ذلك» كناية عن البجاحة والصفاقة في الزنا، لأنه من أبشع الأشياء وأشنعها، وأشدها نكارة، ومع ذلك يقع!
قال:«وإنَّ بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا ملة واحدة» حديث الافتراق، رواه جمع كثير من المتقدمين، وتلقته الأمة بالقبول، وصححه جمع كثير من المحققين، ونسمع شنشنة في الآونة الأخيرة، من دعاة التجميع والتلفيق، بتضعيف الحديث ورده، لرغبتهم في التقارب مع الطوائف المبتدعة تحت شعارات عاطفية. وقد صنف المصنفون في بيان هذه الفرق، فصنف عبد القاهر البغدادي (الفرق بين الفرق)، وصنف الشهرستاني (الملل والنحل)، وصنف ابن حزم (الفصل في الملل والأهواء والنحل)، وهذا أمر مشتهر ومستفيض عند المسلمين، لا سبيل لرده، كما أنَّ الواقع يدل عليه.
قوله:"قالوا: من هي يا رسول الله؟! قال:«ما أنا عليه وأصحابي» " هي الفرقة الناجية في الدنيا من الفرقة والابتداع، وفي الآخرة من النار. فمن أراد النجاة والسلامة فليلزم ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه؛ وهم أهل السنة والجماعة.