للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تضاهي الشرعية، يقصد بالسير عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه" (١). فقوله: "البدعة طريقة في الدين" أخرجت أمور الدنيا، فلا يدخل في البدعة ما يتعلق بالمباني، والمراكب، والمطاعم، والمشارب، وغير ذلك. وقوله: "مخترعة" أي: على غير مثال سابق. وقوله: "تضاهي الشرعية" أي: أنَّ لها شبه بالأمور الشرعية، وبذلك راجت على الجهال. وقوله: (يقصد بالسير عليها المبالغة في التعبد لله تعالى) لذلك لم يكتفِ بالسنن. وقد تقدم أنَّ اقتصاداً في سنة خيرٌ من اجتهاد في بدعة (٢)، وأنَّ البدعة لا تزيده من الله إلا بُعداً (٣)، وأنَّه ما أُقيمت بدعة إلا وأُميتت سنة (٤)، فلهذا جاء النهي عنها. وأعظم البدع: البدع العقدية، وأعظم البدع العقدية: الشرك، وهو تسوية غير الله بالله، فيما هو من خصائص الله؛ في ربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه وصفاته. لهذا استدل المصنف بثلاث آيات، وعدة أحاديث:

الآية الأولى: قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ إنما كان الشرك أعظم أنواع البدع، لأن الله لا يغفره، فمن ابتدع بدعة تتعلق بصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، فقد أتى بما هو أكبر من الكبائر؛ لأنَّ الكبائر تحت المشيئة والإرادة؛ إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه بقدر ذنبه. فمن عقد القباب على الأضرحة والقبور، ودعا الناس إلى الطواف بها، وسؤال الموتى، والاستغاثة بهم، وما أشبه ذلك، فقد أتى أمراً لا يُغفر.

الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ


(١) الاعتصام للشاطبي ت الهلالي (١/ ٥٠).
(٢) من كلام ابن مسعود، كما في المعجم الكبير للطبراني، برقم (١٠٣٣٧) ومن كلام أبي الدرداء في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي برقم (١١٥).
(٣) البدع لابن وضاح برقم (٦٦) عن الحسن قال: "صاحب البدعة لا يزداد اجتهاداً صياماً وصلاة إلا ازداد من الله بعداً".
(٤) فيض القدير (٥/ ٤١٢) قال الحرالي: "وقد جرت سنة الله بأنه ما أمات أحد سنة، إلا زاد في خذلانه بأن تحيا على يده بدعة".

<<  <   >  >>