والقول الفصل، القاطع لكل نزاع، فأكذب دعواهم، وقال: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: ٦٧]، بل ولا عامة أنبياء بني إسرائيل كانوا كذلك، قال تعالى: ﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ١٤٠]
الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ قد أسلفنا في الأبواب الأولى أنَّ ملة إبراهيم ﵇ هي الحنيفية، وأنَّها دين الله تعالى للأنبياء جميعاً، فجميع الأنبياء على دين واحد، هو الإسلام، بمعناه العام، الذي هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك، وأنَّ أنبياء بني إسرائيل قاطبة، كلهم مسلمون، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ [المائدة: ٤٤] وقررنا بأنَّ موسى ﵇ لم يُبعث باليهودية، وأنَّ عيسى ﵇ لم يُبعث بالنصرانية، وإنَّما بُعثوا جميعاً بملة إبراهيم، كسائر أنبياء الله تعالى، لكن لما وقع التحريف الذي أخبر الله تعالى عنه في قوله: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ [النساء: ٤٦] وقوله: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾ [المائدة: ٤١] وقوله: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ [البقرة: ٧٩] آل دين موسى، بعد تحريف الأحبار، إلى اليهودية، وآل دين عيسى، بعد تحريف الرهبان إلى النصرانية. فلا يجوز أن يقال: الأديان الثلاثة، فإن دين الله واحد وهو الإسلام، وليس لله دين اسمه اليهودية. أو النصرانية، كيف وقد برَّأ الله تعالى إبراهيم ﵇ منهما فقال: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً﴾ [آل عمران: ٦٧]، بل برَّأ جميع أنبياء بني إسرائيل، فقال: ﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٤٠]. والأسباط هم الأنبياء في قبائل بني