للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانَ أكثرُ قراءتِهِ بالأقبغاويةِ، وَكانَ لَه في منزلِهِ خَلوةٌ للعبادةِ (١).

جاءَ في مُقدِّمةِ شرحِهِ على خليل (٢):

«كَانَ إمامًا في العلومِ والمعارفِ، مُتواضعًا عفيفًا، لا يكادُ جليسُهُ يَملُّ من مُجالستِهِ، انْتَهتْ إليهِ الرِّياسةُ في العِلمِ، وَوَقفَ الناسُ عندَ فَتاويهِ، وَكانَ مُتقشِّفًا في مَأكلِهِ ومَلبسِهِ ومَفرشِهِ، وكانَ لا يُصلِّي الصُّبحَ صيفًا وشتاءً إلَّا بالجامعِ الأزهرِ.

وَكانَ خلقُهُ واسعًا، إذا تَجادلَ عندَه الطَّلبةُ يشتغلُ هو بالذِّكرِ حتَّى يفرغَ الجدالُ، وكانَ يَقْضي بعضَ مصالحِهِ بيدِه من السُّوقِ، ويَحملُها ويَتعاطَى مصالحَ بيتِهِ في منزلِهِ أيضًا، وكانَ كثيرَ الأَدبِ والحياءِ، كريمَ النَّفسِ، جميلَ المُعاشرةِ، حُلوَ الكَلامِ.

وكَانَ كثيرَ الشَّفاعاتِ عندَ الأُمراءِ وغَيرِهم، وَكانوا يَهابُونهُ ويُجلُّونَه، ويَقبلُونَ شَفاعتَه، وكانَ مَهيبَ المَنظرِ، عَليهِ سَمْتُ العُلماءِ العَاملينَ، والأَولياءِ الصَّالحينَ، وكانَ دائمَ الطَّهارةِ، كثيرَ الصَّمتِ، زاهدًا وَرِعًا، كثيرَ الصِّيامِ، طويلَ القيامِ، وَكانَ لَه تَهجُّدٌ عظيمٌ في اللَّيلِ، وَكانَ نهارُهُ كلُّه في طاعةٍ؛ إمَّا في عِلْمٍ، أو قراءةِ قرآنٍ، أو وِرْدٍ.

يَقُولُ بعضُ مَنْ عايَشه:

ما ضَبَطْنا عَليه قطُّ ساعةً هو فيها غافلٌ عن مَصالحِ دُنياهُ أو آخرتِهِ، وَكانَ يتعمَّمُ بشَملةٍ بَيضاءَ صوفٍ، ولَهُ سُبحةٌ ألفُ حَبَّةٍ، وَكانَت ثيابُهُ قصيرةً على السُّنة المُحمَّديةِ.

وكانَ كثيرَ الذِّكرِ للهِ تعالَى، لا يَكادُ يغفُلُ عن قولِ «لَا إلَه إلَّا اللهُ» في حالِ


(١) «الأزهر في ألف عام» (١٤٢٧) (١/ ٢٣٥).
(٢) «مقدمة شرح الخرشي على خليل» (١/ ١)، وهو كلام علي الصعيدي العدوي -رحمه الله-.

<<  <  ج: ص:  >  >>