للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

درسِهِ، وفي حالِ عملِه، وكَانَ لا يُسْمعُ منه قطُّ مُذاكرةُ أحدٍ بسوءٍ، وكانَ النُّورُ يَخفِقُ عَلى وجهِهِ يدركُهُ.

وَكانَ إذا ركبَ حمارَه، ومرَّ في السُّوقِ، يَقْتتلُ النَّاسُ عَليه، وكانَ قَد اشْتُهِرَ في أقطارِ الأرضِ كالغربِ والشَّامِ والحجازِ والرُّومِ واليمنِ، وصَاروا يَضربُونَ به المثلَ، وأَذْعنَ له عُلماءُ مصرَ؛ الخاصُّ منهم والعامُّ، وكانَ دائمَ الطَّهارةِ، لا يُحْدثُ إلَّا ويتوضَّأُ، هكذَا قالَ أصحابُهُ، وكانَ لا يَذكرُ أحدًا بغِيَبةٍ، ولَا يَحسُدُ أَحدًا من أقرانِه على ما آتاه اللهُ من عِلمٍ، أَو جاهٍ، أو إقبالٍ من الناسِ، بَلْ يَقُولُ: لَولَا أنَّه يستحقُّ ما أعطاهُ اللهُ تعالَى، وما كانَ قطُّ يُزاحمُ علَى شيءٍ من الدُّنيا، ولا يَتردَّدُ إلى أحدٍ مِن الوُلاةِ إلَّا لِضَرورةٍ شرعيَّةٍ من شفاعةٍ لمَظْلومٍ، ونحو ذَلكَ.

وكانَ إذا حضرَ إلَيهِ جماعةٌ ممَّن يَحسُدُونهُ، يُجلُّهم ويُكرمُهم في غَيْبتهم وحُضُورِهم، ولا يُؤَاخذُ أحدًا منهم عَلى ما وقعَ منه في حقِّهِ، بَل هو كثيرُ الاحتمال للأذى بطيبةِ نفسٍ، وكانَ يُعِيرُ مِن كُتبِهِ، ومِن خِزانتِهِ الكُتبَ الغريبةَ العزيزةَ من جَميعِ الفُنونِ، فَضاعَ له بذَلكَ جملةٌ من الكُتبِ.

وكانَ يَأتيهِ الطَّالبُ ببَراءةٍ فيها اسمُ كتابٍ يطلبُه، فيُخرجُهُ مِن الخِزانةِ، فيُعطِي لَه منه من غيرِ مَعرفةِ اسمِهِ، واسمِ أبيهِ، أو بلدِهِ، فيُقيِّد بَعدَما يتوجَّه من عندِه: «أَخذَ منِّي الكتابَ الفلانيَّ الرجلُ الطَّويلُ، أو القصيرُ، أو لحيتُهُ كبيرةٌ، أو صغيرةٌ، أو أبيضُ، أو أسودُ، أو نحو ذَلكَ»، وكانَ منهُ في ذلكَ العجبُ العُجابُ؛ إيثارًا لوَجهِ اللهِ تَعالَى.

لازَم القُرَّاءَ سيَّما بعد شيخِهِ البُرهانِ اللقانيِّ، فكانَ يَقرأُ إلى الضُّحى قراءةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>