للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي بابِ الجرحِ والتَّعديلِ يكونُ الغلطُ في فَهمِ مصطلحِ إمامٍ -من أئمَّةِ الجرحِ والتَّعديل- لَه أثرٌ واضحٌ في الحُكْمِ على الرَّاوي -جرحًا أو تعديلًا- وبالتَّالي يَظْهرُ الغلطُ في الحُكْمِ على الحديثِ، علمًا بأنَّ أَهمِّيَّةَ تَتبُّعِ المصطلحاتِ تظهرُ أكثرُ في فنِّ الجرحِ والتَّعديلِ.

يَقُولُ السُّبكيُّ -رحمه الله-:

«وممَّا يَنْبغي أن يُتفقَّدَ عندَ الجرحِ أيضًا: حالُ الجارحِ في الخبرةِ بمدلولاتِ الألفاظِ، فَكَثيرًا ما رَأيتُ مَنْ يسمعُ لفظةً، فيَفْهمها على غيرِ وَجْهِهَا، والخبرةُ بمدلولاتِ الألفاظِ -ولا سيَّما العُرْفيةُ الَّتي تختلفُ باختلافِ عُرْفِ النَّاس، وتَكُونُ في بعضِ الأزمنةِ مدحًا، وفي بعضها ذمًّا- أمرٌ شديدٌ، لا يُدْركهُ إلَّا قعيدٌ بالعِلْمِ» (١).

وقالَ المُعَلميُّ -رحمه الله-:

«صِيَغُ الجرحِ والتَّعديلِ كثيرًا ما تُطْلَق على معانٍ مُغَايرةٍ لمعانيها المُقَرَّرةِ في كتبِ المصطلحِ، ومَعْرفةُ ذلكَ تَتوقَّفُ على طولِ الممارسةِ، واستقصاءِ النَّظرِ» (٢).

وقَالَ أيضًا -رحمه الله-: « ... مِنْهم مَن لا يُطْلق: (ثقةً) إلَّا على مَنْ كَانَ في الدَّرجةِ العليا من العدالةِ والضبطِ، وَمِنْهُمْ مَن يُطْلقُها على كلِّ عدلٍ ضابطٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ في الدَّرجةِ العليا، وَمِنْهُم مَن يُطْلقُها على العدلِ، وإنْ لَم يَكُنْ ضابطًا، ومِنْهُم مَن يُطْلقُها على المجهولِ الَّذي روى حديثًا واحدًا قد تُوبعَ عليه، ومِنْهُمْ مَنْ يُطلقُها على المجهولِ الَّذي رَوى حديثًا لهُ شاهدٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُطْلقُها على المجهولِ الَّذي روى حديثًا لم يَسْتَنكرهُ هو، وَمِنْهُمْ مَن يُطْلقُها على المجهولِ الَّذي رَوى عَنهُ ثقةٌ ... إلى غَيْرِ ذلك، وهُمْ -مَعَ ذلك- مُخْتلفونَ في الاستدلالِ على أحوالِ الرُّواةِ، فمِنْهُمْ المُبَالغُ في التَّثبُّتِ، ومِنْهُم المُتَسامحُ، ومَنْ لم يَعرفْ مذهبَ الإمامِ منهم، ومَنْزلَتهُ من التَّثبُّتِ- لَم يَعرِفْ ما تُعْطيهِ كلمتُهُ، وحِينَئذٍ فَإمَّا أن يتوقَّفَ،


(١) «قاعدة في الجرح والتعديل» (ص ٤٦).
(٢) مقدمة تحقيقه للفوائد المجموعة، للشوكاني (ص ٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>